مالك صقور
منذ حزيران 1967 ، وحتى الآن ، كتب الكثيرون ، الكثيرون من الكتاب والأدباء والشعراء والمفكرين والسياسيين والمؤرخين عن ( الخامس من حزيران ) : دراسات وأبحاث ، كتبت قصائد وروايات وقصص ومسرحيات وآلاف المقالات .. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، بعد كل هذه السنين ، بعد الدروس القاسية ، وبعد كل هذه العبر ، إلى أين وصل العرب ؟ وما هو المشهد العربي ؟ وما هو الواقع الفلسطيني ؟ والضفة وغزة ؟! وإلى أين العرب ماضون ؟!
– ها قد مر 77 سنة على احتلال فلسطين – النكبة ..
– وها قد مر 58 سنة على احتلال الجولان – النكسة ، الفضيحة ..
– وها قد مر 43 سنة على غزو بيروت ..
– وها قد مر 22 سنة على غزو العراق ..
.. وهل يتذكر القارئ العربي موضوعات الأدب قبل النكبة وأدب ما بعد النكبة ؟ وهل يتذكر العربي أدب ماقبل النكسة وما بعد النكسة ؟ كذلك الأمر بعد غزو بيروت ؟ وبعد غزو العراق ؟ !!
نعم ، ياسادة ، أذكر جيداً قصيدة الكبير بدوي الجبل بعيد هزيمة حزيران النكراء ، والتي دفع ثمناً باهظاً لقاء هذه القصيدة التي تُعدّ من غرر البدوي :
رمل سيناء قبرنا المحفور – وعلى القبر منكرونكير
يالذل الإسلام لا الجمعة الزهراء نعمى ولا الآذان جهير
كل دنيا الإسلام والقدس مناحات -وويل لأهلها وثبور
يالذل الإسلام والقدس نهب ٌ- هتكت أرضه فأين الغيور
هتكوا حرمة المساجد لا – جنكيز باراهم ولا تيمور
ارجعوا للشعوب يا حاكيمها- لن يفيد التهويل والتغرير
في هذه القصيدة العصماء النادرة ، التي تزيد عن مئة وخمسين بيتًاً ، يقول بدوي الجبل كل شيئ ، ينطق باسم الملايين من أمة العرب ، باسم الملايين المقهورة ، المذلة المهانة .. يصور الشاعر في هذه القصيدة مخيمات اللآجئين الفلسطينين ، وطغيان المغتصب المحتل ، يصور هتك حرمة المساجد ، وحال الشعب الفقير ، ولم تنج منه هيئة الأمم المتحدة ، إذ يحملها مسؤولية نكبة فلسطين ، ويفضح المتشدقين بالاشتراكية ، وهم يفعلون العكس …
وكتب نزار قباني الكثير عن هزيمة حزيران : ” حرب حزيران انتهت /فكل حرب بعدها ونحن طيبون / أخبارنا جيدة / وحالنا – والحمد لله – على أحسن مايكون / جمر النراجيل .. على أحسن ما يكون / كتابنا على رصيف الفكر عاطلون / حرب حزيران انتهت / وضاع كل شيء /الشرف الرفيع / والقلاع والحصون / والمال والبنون / حرب حزيران انتهت / وكأن شيئاً لم يكن / “… ويقول : ” خلاصة القضية / توجز في عبارة / لقد لبسنا قشرة الحضارة / والروح جاهلية / … ومن منا لايتذكر مسرحية الراحل سعد الله ونوس :” حفلة سمر من أجل (5) حزيران ” .. فكم تبدو الحقائق دامية في هذه المسرحية ، واعتقد أن الجميع يعرف مضمونها .. وفي هذا الحيز ، هنا ، اكتفي بمشهد ( العجوز) الذي يصعد الخشبة من بين المتفرجين ، ليحكي قصة مدرس الجغرافيا الذي يبسط خريطته على الحائط . ويقول : أترون إلى اتساعها ، أترون غناها . في الورق يشم رائحة الأرض ، وفي الخطوط تلامس أصابعه التخوم وتجمعات البشر . منذ عشرين سنة وهو يحاول أن يحس الآخرون هذا الاتساع وأن يستوعبوه ، أن يكون في ذاكرتهم كما في ذاكرته .. والطلاب أمامه يتثاءبون أو ينامون أو يضحكون ، حتى ولو لم يصغ إليه أحد .. يستطيع أن يبرهن على ما يقول : الورق يتمزق تماماً كما تتمزق الأرض التي لا تحمى . لكن الخريطة ورقة ، وفي بلاد لا تحترم الجغرافيا ، ما أصعب أن يكون لورقة على الحائط أهمية —يمزق طرف الورقة الشمالي الغربي – لواء اسكندرون .
– يمزق الورقة من الوسط – فلسطين .
– يمزق الوسط الغربي – الضفة الغربية .
– يمزق الوسط اجنوبي – سيناء .
يمزق الوسط الشمالي – الجولان .
وهكذا تصبح الورقة – الخريطة – غربالاً ..
وكتب أدونيس بعد الهزيمة : ( بيان 5 حزيران ) – يطرح أدونيس في هذا البيان أسئلة كثيرة موجعة ، ويجيب عنها ، وفي الوقت نفسه يحمل المسؤولية للفكر العربي والمفكرين العرب . يقول :” الفكر العظيم وحده ، يصنع القضايا العظيمة . هل أنا في حياة لا تعرف الفكر العظيم ؟ هذا الشبح الذي نسميه الفكر العربي المعاصر أتهمه . وأنا جزء منه ، بأنه عاجز وجاهل ،لا يعرف أحداً.. أتهمه بأنه تابع جبان مسحوق .. عبد الرجل السياسي . عبد الحزب والتحزب . عبد الرئيس والوزير ، عبد المال والمصلحة . منافق سمسار …”
بيان أدونيس هذا مازال طازجا ، كأنه قد كتبه الآن ، وعن راهن العرب في هذه الأيام .. وعندما انتقل للحديث عن الشعر والحرية ، يقول : ” الفنان آخر من يحق له أن يندب حريته أو يطالب بها ، لأنه جوهرياً، إما أ، يكون حراً، وإما أنه لا يكون فناناً ” ..
وأخيراً :
بعد هزيمة العرب في الخامس من حزيران ، استقبل رئيس فرنسا الجنرال ديغول وفداً صهيونياً قادما ً من الأراضي المحتلة ، وكان الوفد يتبختر تيهاً وزهواً ، لأنه انتصر بأيام قليلة ، على مصر وسورية والأردن ، واحتل الجولان وسيناء والضفة الغربية .. في أثناء الزيارة ، سأل ديغول أعضاء الوفد :” إذا اتحد العرب وتطوروا وأصبحوا متقدمين جداً ، يعني إذا أصبحوا قوة اقتصادية و عسكرية وثقافية ، عندئذ : ماذا تفعلون ؟؟؟”.
لاأعرف ماذا أجاب الوفد الصهيوني الجنرال ديغول عن سؤاله ، ولكن في يقيني ، لم ينس الصهاينة سؤال ديغول الذي يتضمن الجواب والنصيحة معاً ..
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)