باسل علي الخطيب
دعونا نطرح السؤال التالي: ايهما اقوى، صوت الأمعاء أم صوت العقل؟….
تعرفون الإجابة حكماً…
إذاً، لاتقولوا لي أننا نربح حرب الوعي….
نعم، لقد ربحنا الكثير من معارك الوعي على مدى السنوات المنصرمة، بل إننا فاجأنا العالم كله بذلك، وفي مرات عديدة تجاوزنا انفسنا، بل وكنا وفي أغلب الحالات أكثر مسؤولية من مسؤولينا وحكومتنا….
ولكن من قال أن الحرب انتهت؟!!…
تلك معاركاً ربحناها أننا كنا نمتلك المناعة الأخلاقية والوطنية اللازمة…
ولكن هذه المناعة لم تأت من فراغ….
أنها تستند إلى موروث ثقافي وتاريخي، هذا أمر مسلم به….
لكنها تستند أيضاً إلى عامل مهم آخر هو (الأمن الغذائي)…
نعم، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، ولكنه يحتاج الخبز لكي يعيش حتى يحيا ويحيي، وذاك العشاء الاخير كان كسرات خبز وقطرات ماء ورشفات نبيذ….
القرار السياسي المستقل عند الدول لايستند بالدرجة الاولى إلى القوة العسكرية، ٱنما يستند إلى الأمن الغذائي والدوائي، والأمور الأخرى مكملات، ومن هنا تكتسب المناعة الوطنية قوتها وتتجذر، ولكم في روسيا تسعينات القرن الماضي أبلغ مثال…
إن كانت هذه الحال عند الدول فكيف هي عند الأفراد؟؟!!!..
أي مناعة هذه وقد صار أغلبنا تحت خط الخبز، هذا ليس تعبيراً مجازياً، هذا تعبير بالمعنى الحرفي للكلمة….
وحتى نفهم أكثر ساقولها باللغة الدارجة ( نحن لانشبع الخبز)…
تلك لم تكن أياماً بعيدة، يصل أحدنا بيته ولم يجهز طعام الغداء، يقولون له ( دبر حالك بخبز وزيت وبصلة)… حتى هذه صارت من الأحلام، البعض يقول من المستحيلات، أين منها الخل الوفي….
(يتغدى فحسب خبز وبصلة)، عبارة كانت تدل سابقاً على الفقر الشديد..
حسناً، وقد صارت حتى هذه صعبة هذه الأيام فعلى ماذا ياترى صارت تدل؟!!…
قولاً واحداً على الجوع….
هل لديكم إجابة اخرى؟….
يقولون الحرب و قيصر….
حسناً، نتفق جزئياً مع هذه الكلام، هذا بعض الحقيقة، بعضها الآخر أن هذه الحكومة تتصرف وكأنها حكومة إزالة أثار هذه الحرب، وليس كحكومة إعادة دفع عجلة الإنتاج على كل المستويات…
هذه حكومة قرارات الساعة واليوم، وليس حكومة قرارات الأشهر والسنة أو السنوات….
ولكن ليست هذه هي الطامة الكبرى، الطامة الكبرى أنها حكومة إزالة أثار الحرب لأولئك الخمسة بالمئة، وليس لأولئك الخمسة والتسعين بالمئة….
عندما تحدثت أعلاه عن الأمن الغذائي وخصصت بكلامي الخبز، فأنا أقصد ذلك حرفياً، الناس جاعت حتى إلى الخبز، وهذه الناس ليست متطلبة كثيراً، هذا شعب بأغلبه عزيز وصابر ومتكل على الله ومؤمن بقضائه وقدره، ولكن ساعدوه أن يستمر، لاتكونوا أنتم وقيصر والحرب عليه، اكفوه من مادة الخبز على الاقل، واضيف إليها حبة الدواء، لتكن قراراتكم أنتم والرفاق لصالح هؤلاء الخمسة والتسعين بالمئة…
يقولون إن مادة الطحين غير متوفرة، حسناً، نحن في حالة حرب وحصار وعقوبات، مالنا ومال (البتفور والكرواسة والكيك والكاتو والخبز السياحي وغيرها….)، زيدوا مخصصات الطحين لأجل الخبز، حتى تزيدوا مخصصات الخبز للناس، وكفى صدعاً لرؤوسنا باسطوانة الدعم المشروخة، الدعم ليس منّة، هذا واجب دستوري من قبل الحكومة والحزب الحاكم باتجاه الناس، عدا عن ذلك أنتم تدعمون انفسكم وليس الناس، أن من دافع عن هذه الدولة وهذا الوطن ليس جماعة (البتفور والكيك والكرواسة والخبز السياحي) إنما جماعة رغيف الخبز (الحاف) والزيت والبرغل والبصلة في كل هذه الأرياف والقرى والاحياء الفقيرة والعشواييات في عموم المحافظات السورية…
نعم، لايعقل أن تكون مخصصات الفرد من هؤلاء في اليوم رغيفي خبز، هؤلاء لايتبعون ريجيماً غذائياً، أنهم قد يشبعوا بالاستعاضة عن الخبز بأطباق اخرى، هؤلاء ليس لهم غير الخبز ليشبعوا، هؤلاء عندهم من القناعة والعزة أن أحدهم يضع صحن فيه زيت وبجانبه رغيف خبز، يأكلهم وبحمد الله…
وفروا الخبز للناس، ووفروا حبة الدواء، ولتكن بمتناول الكل، كميةً و سعراً، هذا في وقتنا الحالي ضرورة وجودية، وليس مجرد مهنة أو وظيفة، الأولوية الآن للأمن الغذائي في حدوده الدنيا، وان استدعى الأمر قوانيناً استثنائية، أو تصرفات استثنائية، أو ميزانيات استثنائية، فليكن…
يجب أن تتصرف الحكومة وفق المنطق (الأبوي)، وليس وفق المنطق (الوظيفي)، هذا أمر لايخضع لمنطق الربح والخسارة بالمعنى المادي الضيق للتعبير، إنما يتعلق بالربح والخسارة بالمعنى الوطني….
وتذكروا أن الحرب لم تنته وهذه ليست إلا جولة، المناعة الوطنية تتآكل، لايمكن دوماً أن تتكلوا فقط على قدرة الناس على الصبر والصمود ساعدوهم حتى يساعدوا ويسندوا دولتهم….
ستقولون انتي أقول كلاماً كبيراً وخطيراً، وانني قد رفعت السقف عالياً، حسناً، هل تظنون ولو لبرهة أن هذا الكلام ليس لسان حال الاغلبية؟….هل تريدون مني أن اكذب عليكم؟ أن انافقكم؟؟!!..
هل اذكركم ان صديقك هو من أصدقك وليس من صدقك؟؟…
و تذكروا ايضاً، أنه عندنا يحين موعد الجولة التالية، سيكتظ المطار بجماعة (الكرواسة والبتفور والكاتو)، وجماعة الإقامات الذهبية، وجماعة حزب التلة، وجماعة حزب الكورنيش والدبكة والتصفيق، وجماعة حزب الشعارات واسطوانات الصمود…
ولكن لن تجدوا جماعة الخبز الحاف والبصلة والزيت ليقاتلوا، هؤلاء إما أن يكونوا قد ماتوا جوعا أو كمداً أو قهراً، أو يكونوا قد هاجروا طلبا للقمة خبز في مكان آخر….
(سيرياهوم نيوز ٢-صفحة الكاتب)