محمد راكان مصطفى
يواصل مصرف سورية المركزي تنفيذ سياسته المتمثلة في حبس السيولة النقدية من خلال تخفيض سقوف السحب اليومية من المصارف، وهو ما لا يتناسب مع احتياجات العائلات، فما بالك بمتطلبات قطاع الأعمال؟
للوقوف على انعكاسات هذه السياسة على كل مكونات القطاعات الاقتصادية، أشار الخبير المالي والمصرفي الدكتور علي محمد في حديثه لـ”الوطن” إلى أن الاستراتيجية التي يتبعها المركزي عبر تقليص النقد المتداول في السوق خلال الفترة الماضية وحتى اليوم، سواء من خلال تقيد عمليات السحب النقدي للأفراد أم الشركات، أو من خلال زيادة الرقابة على المعاملات المالية والتحويلات.
وأضاف: رغم وجود تسهيلات تتعلق بالتحويلات بين الحسابات، سواء ضمن البنك الواحد أم بين البنوك عبر منظومة (SYGS)، فإن تخفيض سقف السحب من البنوك، بناءً على السيولة المتوافرة لديها، والتي تُحدد من المصرف المركزي، يثير القلق.
ورأى محمد أن تخفيض المعروض النقدي في السوق هو تحقيق الأهداف المرسومة للسياسة النقدية من السلطة النقدية، التي تهدف إلى منع التلاعب والمضاربة على الدولار، عبر تخفيض المعروض النقدي في السوق، ويبقى في المصارف، سواء على شكل ودائع لأجل أم جارية، أو على شكل تحويلات من حساب إلى آخر، وقال: “شهدنا خلال الفترة الماضية تحويل بعض الأفراد من مدخراتهم بالدولار إلى الليرة السورية لتأمين متطلباتهم، ما زاد من الطلب على الليرة، وبالتالي مساهمة سياسة المركزي في استقرار سعر الصرف لمدة شهرين تقريباً”.
واعتبر محمد أنه على الرغم من أن هذه الاستراتيجية أدت إلى استقرار سعر الصرف، إلا أنها أدت أيضاً إلى تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين، وبالتالي تراجع حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات، ما ساهم في الحد من ارتفاع الأسعار، التي لم تنخفض بمقدار تحسن الليرة نفسه، إلا أنها استقرت، كما شهدت انخفاضاً ملحوظاً في بعض السلع.
وأوضح أن الفكرة الرئيسية أنه وعلى الرغم من تحقيق فوائد قصيرة الأجل من استقرار سعر الصرف، فإن انخفاض الطلب الكلي يؤثر سلباً في قطاع الأعمال بشكل عام، وقد أدت هذه السياسة إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، ما تسبب في انخفاض الطلب وبالتالي انخفاض الإنتاج.
وحذر من أنه إذا استمر انخفاض الطلب الكلي على السلع والخدمات دون المستوى اللازم لتحقيق التوازن لكل شركة، فقد يؤدي ذلك إلى خسائر مؤكداً أن حبس السيولة يعوق النشاط الاقتصادي بشكل عام، إذ يصعب سير الأعمال الإنتاجية والاقتصادية والصناعية والزراعية.
وأضاف: علاوة على ذلك، فإن تقييد النقد للمبالغ الكبيرة وإمكانية السحب المحدودة التي ترتبط بسيولة كل مصرف تؤثر بشكل مباشر في تكلفة الفرص البديلة، إذ إن تجميد مبالغ لدى المصارف يعوق استثمارها، ولا يحقق عائداً عليها، ويعوق تدوير رأس المال.
أما فيما يتعلق بالمصارف فرأى محمد، أن هذا الوضع يؤثر في المصدر الرئيسي لإيراداتها، وهو الإقراض والتسليف. إذ إن بعض المصارف تجد صعوبة في القيام بهذه العمليات، ما يؤدي إلى خسائر غير مباشرة تتمثل في فوات المنفعة وعدم تحقيق فوائد على أموالها من خلال التسليف. ولابد من الإشارة إلى أهمية ارتفاع التكاليف التشغيلية، مثل تكاليف الطاقة، ما يزيد من تعقيد الوضع.
وختم بالقول: بشكل عام، تحقق سياسة حبس السيولة أهدافها على المدى القصير من خلال ضبط سعر الصرف وكبح جماح التضخم، ولكن على المدى البعيد، قد تمتد آثارها لتصل إلى مشكلات أكبر، لعدم قدرة المودعين على الحصول على أموالهم إلا بالتقسيط.
(اخبار سوريا الوطن ٢-الوطن السورية)