لينا إسماعيل:
رغم ما عُرفت به قطنا، الواقعة جنوب غربي مدينة دمشق، من وفرة ينابيعها العذبة وغزارة آبارها، تعيش المدينة اليوم واحدة من أقسى أزماتها الخدمية، في مقدمتها الانقطاع شبه الكامل لمياه الشرب عن عدد واسع من أحيائها منذ أكثر من عام.
ويؤكد عدد من أهالي قطنا أن أزمة المياه لم تعد تقتصر على تقنين الكهرباء أو الالتزام بجداول ضخ كما هو الحال في مدن وبلدات مجاورة، بل وصلت إلى مرحلة الانقطاع التام في العديد من المناطق، حيث لم تصل مياه الشرب إلى صنابير المنازل، ما اضطر السكان للاعتماد على الصهاريج الخاصة، وسط ارتفاع تكاليفها.
وبحسب الأهالي، باتت صهاريج المياه تستنزف جزءاً ثابتاً من دخلهم الشهري، إذ لا يقل متوسط ما تدفعه العائلة الواحدة عن 75 ألف ليرة سورية أسبوعياً، وهو مبلغ كبير قياساً بالظروف المعيشية، ما جعل المياه عبئاً اقتصادياً إضافياً لا يقل قسوة عن انقطاعها.
تمييز بين الأحياء وغياب العدالة
وخلال جولة ميدانية ولقاءات مع سكان من أحياء مختلفة في المدينة، عبّر كثيرون عن شعورهم بالغبن نتيجة ما وصفوه بـ”التمييز الواضح” في توزيع المياه، حيث تصل المياه إلى بعض الأحياء ليوم واحد أسبوعياً، بينما تُحرم أحياء أخرى، من دون توضيح رسمي مقنع.
وضرب الأهالي أمثلة على ذلك، كالأحياء القريبة من جامع مريم بنت عمران، التي لم تشهد ضخاً للمياه منذ سنة كاملة، مقابل أحياء أخرى، مثل حي بيت شاكر، تحظى بوصول المياه بشكل منتظم نسبياً، ويتساءل السكان عن أسباب هذا التفاوت، في وقت تُبرر فيه الجهات المعنية الأزمة بالجفاف العام وانخفاض منسوب الآبار، وهي مبررات، برأيهم، لا تفسر الحرمان الكامل لبعض المناطق دون غيرها.
خدمات متدهورة وبنى تحتية متهالكة
ولا تقف معاناة أهالي قطنا عند أزمة المياه، بل تمتد إلى تدهور عام في واقع الخدمات، حيث تشهد المدينة بنى تحتية متهالكة منذ سنوات، من أرصفة مكسرة وشوارع بحاجة ماسة إلى تأهيل وقمصان زفتية، من دون تنفيذ مشاريع صيانة جادة.
كما يشكو السكان من واقع النظافة المتردي، إذ تتراكم أكوام القمامة لفترات طويلة من دون ترحيل منتظم، ما يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة، وتزايد الحشرات والكلاب الشاردة، الأمر الذي بات يشكل مصدر قلق يومياً، لا سيما لطلاب المدارس والموظفين خلال ساعات الصباح الأولى.
ويضاف إلى ذلك التقنين الطويل للتيار الكهربائي، الذي لا يفاقم المعاناة اليومية فحسب، بل يحد أيضاً من إمكانية تشغيل الآبار والخزانات، ويؤثر بشكل مباشر على واقع ضخ المياه.
متابعة رسمية وتوضيحات
وفي إطار متابعة ملف المياه في قطنا، تواصلت صحيفة “الثورة السورية” مع المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في محافظة دمشق وريفها، حيث أوضح معاون المدير العام للمؤسسة، المهندس عماد نعمي، أن المدينة تتغذى حالياً من مصدرين رئيسين هما آبار رخلة ونبع الباردة في منطقة عرنة.
وبيّن نعمي أن نبع الباردة جفّ بالكامل منذ بداية موسم الصيف نتيجة الجفاف، ما جعل آبار رخلة المصدر الوحيد العامل حالياً، مضيفاً أن عدداً من هذه الآبار متوقف عن العمل لأسباب فنية، كتعطل المضخات أو الحاجة إلى صيانة، كما أشار إلى أنه تم تأمين مضخة جديدة لأحد الآبار، وسيجري تركيبها وتشغيلها خلال الأيام القليلة القادمة.
وأكد أن الدور المائي المعتمد في مدينة قطنا هو يوم واحد أسبوعياً، وأن المؤسسة تبذل جهوداً لتحسين واقع التزويد، من خلال العمل على تأمين مواقع لحفر آبار جديدة، وقد تم تحويل الملف إلى مديرية الدراسات لإعداد الأضابير الفنية اللازمة.
كما أشار إلى أن منظمة “زوا” ستقوم بتجريب بئر “الفرقة العاشرة” بهدف ربطه بشبكة المياه العامة، ما سيسهم في تعزيز كميات المياه وتحسين التوزيع.
وفيما يتعلق بشكاوى التمييز بين الأحياء، أوضح نعمي أن بعض المناطق تقع في نهاية الشبكة أو على ارتفاعات جغرافية أعلى، ما يؤثر على وصول المياه إليها، مؤكداً أن المؤسسة ستتابع هذا الملف بهدف تحقيق عدالة التوزيع وفق الإمكانيات المتاحة، مع تحسن متوقع في الوضع مع بداية فصل الشتاء وانخفاض الاستهلاك.
وأشار إلى أن المؤسسة تتوقع الانتهاء من المشاريع المقترحة وتحسين واقع المياه بشكل ملموس مع بداية موسم 2026.
بين الوعود والواقع
أما بشأن تردي الخدمات العامة، فقد تم التواصل مع رئيس مجلس مدينة قطنا المهندس بكر بركة، الذي أحال المتابعة إلى إدارة المنطقة برئاسة حسن الزين، كونه تسلّم مهامه حديثاً، وبدوره أكد المكتب الإعلامي لإدارة المنطقة أن الملاحظات التي تم نقلها ستكون موضع متابعة، مع وعود بتحسن تدريجي في واقع الخدمات، رغم وجود عوائق تتعلق بشح المياه وبعضها خارج عن إرادة الجهات المعنية.
في المقابل، لم تتمكن الصحيفة من التواصل مع مدير وحدة المياه في قطنا، رغم محاولات متكررة.
ورغم كل ما سبق، لم يقف أهالي قطنا مكتوفي الأيدي، إذ شهدت المدينة خلال الفترة الماضية مبادرات أهلية تطوعية، شملت تأمين مضخات، وصيانة بعض الخطوط المتضررة، وتوفير صهاريج للمناطق الأكثر احتياجاً، بالتعاون مع مجلس المدينة.
إلا أن هذه الجهود، على أهميتها، تبقى حلولاً مؤقتة ومحدودة، لا يمكنها تعويض دور الجهات المعنية أو معالجة الأزمة جذرياً، في ظل معاناة يومية مستمرة للحصول على أبسط مقومات الحياة.
ويؤكد الأهالي أن الخروج من دائرة الوعود يتطلب إجراءات عملية، تشمل تحسين غزارة الضخ، وتأمين خزانات جديدة، ووضع برنامج عادل لتوزيع المياه يشمل جميع الأحياء من دون استثناء، إضافة إلى إزالة التعديات على الشبكات، وزيادة ساعات التغذية الكهربائية بما يسمح بضخ المياه لفترات أطول.
ويبقى سكان قطنا على أمل أن تشهد مدينتهم تحسناً فعلياً في واقعها الخدمي، ينسجم مع تاريخها وإمكاناتها الطبيعية، بعد سنوات من التراجع والإهمال.
أخبار سوريا الوطن١-الثورة السورية
syriahomenews أخبار سورية الوطن
