علي عبود
تبنت حكومة المهندس حسين عرنوس منذ الربع الأخير من عام 2021 خيار تثبيت سعر الصرف بدلا من خيار النمو لنكتشف بعد عدة أشهر انه كان الخيار الأسوأ!
كان واضحا مع نهاية عام 2022 ان الحكومة أخفقت في خيارها، بدليل انها كانت تلحق بسعر الصرف في السوق السوداء بعدعجزها عن تثبيت سعر صرف الليرة، ومع ذلك لم تملك الجرأة على التخلي عن خيارها الأسوأ وتبنّي الخيار الاقتصادي، أي خيار النمو!
وهانحن على مشارف تشكيل حكومة جديدة لانعرف إن كانت ستستمر بخيار سعر الصرف أم ستتبنى خيار النمو الذي يطالب به المنتجون في قطاعي الصناعة والزراعة على مدى الثلاث سنوات الماضية.
ومن الملفت والمريب معا أن اللجنة الاقتصادية تجاهلت آراء ومقترحات أساتذة كليات الجامعات ومذكرات غرف الصناعة والزراعة والتنظيمات النقابية التي اتفقت جميعها على ضرورة تبني خيار النمو لا خيار سعر الصرف الذي جلب الكوارث الاقتصادية للبلاد والعباد.
برأي الحكومة ان خيار النمو كان سيؤدي إلى تدهور سعر الصرف إلى مستويات غير مسبوقة، فهل هذا صحيح؟
والسؤال: أيهما أجدى سياسات تمنع تدهور سعر الصرف إلى مستويات غير مسبوقة مع كبح النمو الاقتصادي وتراجع القوة الشرائية لملايين العاملين بأجر.. أم دعم النمو الاقتصادي الكفيل بتأمين السلع مع فائض للتصدير؟
المنطق الاقتصادي يؤكد أن سعر الصرف قد يتدهو مع بدايات تنفيذ خيار النمو، لكنه سرعان ماسينعكس إيجابا ويؤدي إلى استقرار الليرة، أليس هذا ماحصل خلال سنوات 1990 ـ 2003 خلال تبني خيار الإعتماد على الذات ونهج الأولوية للزراعة؟
ولعل أبرز أثار خيار تثبيت سعر الصرف الذي تسبب بكبح النمو هو التضخم الذي عجز المصرف المركزي عن السيطرة عليه، فأضعف الليرة السورية والقدرة الشرائية لملايين السوريين، ومع ذلك لاتزال الحكومة مصرة على هذا الخيار بعناد غريب ومريب حتى يومها الأخير، ورافضة الإعتراف بأنه كان ـ ولا يزال ـ الخيار الأسوا، ورافضة التخلي عنه واستبداله بخيار النمو!
كان يمكن للحكومة تشكيل فريق عمل يضم وزراء اللجنة الاقتصادية مع عدد من أساتذة كليات الاقتصاد في الجامعات السورية وممثلين من غرف الصناعة والتجارة والزراعة والتنظيم العمالي والفلاحي.. الخ، يُقدم للحكومة سلبيات وإيجابيات كل من خياري سعر الصرف والنمو، مع اقتراح تبني أحدهما وآليات تطبيقه، لكن الحكومة لم تفعلها في بدايات اعتمادها لخيار سعر الصرف، ولا بعد إخفاقها في هذا الخيار.
أكثر من ذلك، لم يقم مجلس الشعب الذي انتقد الحكومة بالكثير من الكلام لأنها عجزت عن تثبيت سعر الصرف وتدهور معيشة ملايين السوريين، بتشكيل لجنة لوضع دراسة محورها :أيهما أفضل لسورية خيار سعر الصرف أم خيار النمو، مع التوصيات أو الآليات المناسبة لإنجاح أيّ خيار تعتمده الحكومة، لكن المجلس لم يفعلها، ربما لأنه مؤمن جدا بالتعاون والتكامل مع الحكومة، وغير معني بتصويب مسارها ومحاسبتها على خياراتها الخاطئة جدا!
وبصراحة لم نجد بلدا يتعرض لعقوبات غير مسبوقة يتبنى خيارات تكبح النمو، بدلا من الإعتماد على الذات لزيادة الإنتاج، ويعمل بالتوازي مع الدول الصديقة والحليفة على اعتماد العملات المحلية في المبادلات التجارية لتخفيض الطلب على الدولار إلى الحد الأدنى الذي يحافظ قدر الإمكان على سعر الصرف، وعلى القوة الشرائية لملايين السوريين العاملين بأجر.
كانت كل المؤشرات، الناجمة عن الإرتفاع المستمر لنسب التضخم والأسعار، وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، بالغة الدلالة والوضوح بأن الحكومة أخفقت في خيارها، وقد آن الآوان لاستبداله بخيار النمو منذ نهاية عام 2022، لكنها أصرت على الإستمرار بتنفيذ الخيار الأسوأ!
ومن المهم هنا الإستشهاد بقول الدكتور إلياس نجمة أستاذ السياسات النقدية والمالية في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق وهو يمتلك خبرة واسعة في هذا المجال: “إن سعر الصرف هو أداة لتنفيذ سياسات معينة تتعلق بجوانب مختلفة كالتجارة والميزان التجاري والموازنة، أما النمو فهو هدف لجميع السياسات التي يجب أن تتكامل وتقوم لتحقيق النمو الذي هو هدف نهائي”.
الخلاصة: الحكومة أهملت خيار النمو والإنتاج لصالح الخيار الأسوأ “سعر الصرف” الذي تسبب بالفقر لملايين السوريين، وكبح دوران عجلات الصناعة الوطنية، وحولنا لمستوردين لمعظم احتياجاتنا الأساسية، ومع ذلك رفضت حتى أيامها الأخيرة التخلّي عن الخيار الأسوأ الذي تسبّب بتدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار من 2512 ليرة بتاريخ 13/4/2022 إلى أكثر من 13500 ليرة حاليا، وكانت نتائجه كارثية على البلاد بمنتجيها ومستهلكيها!!
(موقع سيرياهوم نيوز ٣)