م.حسان نديم حسن
على ضفتي النهر امتدت حياتهم متشابكة كجذور الأشجار متصلة كأواصر الدم. بين الضفتين وقف جسر عتيق ينحني تحت أقدامهم لكنّه ظل هناك صامدا يحملهم رغم أنينه يوصلهم رغم تهالكه.
كانوا يلعنونه في كل صباح ويسخرون منه في كل مساء يتذمرون من أحجاره المتآكلة ومن خشبه الذي يئن تحت خطواتهم. لكنه رغم كل ذلك بقي يربط بين الضفتين.
وقف أحدهم على الضفة رافعا صوته :
إلى متى سنبقى نعبر هذا الجسر المتهالك؟ ألم يحن وقت التغيير؟ انتظروا قليلاً سنشيد جسراً يضاهي جسور العالم.
صفق الناس بحرارة و امتلأت قلوبهم بالحلم، وحين عادوا إلى بيوتهم صاروا يتخيلون الجسر الجديد المعلق كقوس قزح لكن الأيام مضت وبقي الجسر القديم يئن كما كان.
وحين تساءل الناس عن البناء جاء الجواب:
الصعوبات كثيرة لكننا مستمرون..
بعد سنوات وقف آخر في ذات المكان و قال بنبرة أشد حماسة و بصوت أكثر ثقة:
كيف سمحتم لأنفسكم أن تخطوا فوق هذا الجسر البائس؟ إنه وصمة عار و لعنة يجب أن تزول سنهدمه غدا وسنبني بدلاً منه جسراً يليق بتاريخكم.
هتف الناس بحرارة أكثر مما فعلوا في المرة الأولى وكأن الجسر الجديد أصبح واقعا لمجرد أنهم صدقوا الوعد.
في اليوم التالي هدم الجسر العجوز و تناثرت حجارته في الماء و غاصت أخشابه في الطين.
وقف الناس على الضفة متلهفين لأول حجر يوضع في أساس الجسر الجديد، لكن الأيام مرّت والأساسات لم تظهر والماء ظل فاصلاً بين الضفتين يتحول في كل موسم إلى مرآة تعكس الخيبة.
سأل الناس: متى يبدأ البناء؟
وجاء الجواب :الخطة قيد الدراسة..
وحين مرت الأعوام باتوا يحدقون في النهر لا يرون سوى الفراغ و لا يسمعون سوى الصمت. لم يعد هناك عبور ولم يعد هناك انتظار و صار النهر جدارا يفصل بين من كانوا يوما جسدا واحدا.
ضحك شيخ كان قد عبر الجسر آلاف المرات و جلس على الضفة يتأمل الماء الذي لم يكن يوما حاجزا لكنه صار حدودا وقال بصوت يملؤه الدرس:
سابقا كنا نعبر الجسر ونلعن ضعفه… والآن نقف على الضفة نلعن العجز.
ثم أغمض عينيه وأطرق برأسه كمن أدرك أن ما كان متهالكا كان على الأقل موجودا.
(اخبار سوريا الوطن-1)