سوسن صيداوي
الأحد, 09-05-2021
نمطية أصبحت معتمدة في إنتاج المسلسلات السورية اللبنانية المشتركة، ولكن في حقيقتها ما هي إلا تكرار للعديد من المسلسلات المصرية القديمة، حيث تناولت هذه النوعية قصصاً متنوعة في موضوعها ولكنها تصبّ حول حياة وسلوك زعيم عصابة أو مافيا، ويتاجر بأمور مختلفة وكيف يتعرض للعديد من المداهمات والصراعات النفسية، ولكن ما هو غير المنطقي بأن هذه القصص تتجه للخفايا النفسية له وتشير إلى إنسانيته الطاغية، بمعنى أننا نشاهد زعيم العصابة بأنه ذو قلب رحيم رغم قساوته وحزمه في أمور عديدة أخرى. وفي الجانب المصري كان الفنان أحمد السقا هو من أكثر النجوم الذين برزوا في أدوار بطولة هذه النوعية، لتأتي الموجة إلينا وعبر مسلسل «الهيبة» في أجزائه الأربعة والذي أدى فيه دور البطولة الممثل تيم حسن في شخصية «جبل شيخ الجبل»، لتعزز هذه الأفكار، وفي رمضان الحالي نشاهد أيضاً مسلسل «عشرين عشرين» والذي يصب بنفس المصب، ويؤدي فيه الممثل قصي خولي شخصية «الريس الصافي» كزعيم لأخطر عصابات الاتجار بالمخدرات.
إذاً موضوعنا اليوم يتناول هذا الجانب من الدراما العربية المشتركة وبتسليطها الضوء على التناقض الذي يعيشه رجال العصابات، من خلال إبراز الثوابت الأخلاقية والتي تتناقض تماماً مع ما يعمل به كل واحد منهم، وليس هذا فقط بل كيف تأثر المُشاهد بهذه الشخصيات بعدما تمكنّ الكاتب من كسب تعاطف المتابعين، بل والطامّة الكبرى في اعتبارها أبطالاً وليست خارجة عن القانون.
في الهيبة
اليوم يتم التحضير للجزء الخامس لمسلسل «الهيبة» وفيه انضم الممثل عبد المنعم عمايري مقابل الممثل تيم حسن. ونعود إلى عنواننا الرئيسي في الحديث عن إبراز الثوابت الأخلاقية لزعيم العصابة، فمثلاً «شيخ الجبل» هو ليس بقاطع طريق، بمعنى أنه ليس بتاجر أسلحة ولا يعمل بالمخدرات، بل يقوم بتجارة الحشيش، وإن تاجر بالسلاح الخفيف فهو يريد أن يعرف الجهة التي سيذهب إليها، وحتى خلال السيناريو يبدو واضحاً في الأحداث بأنه يؤكد خلال فضّ أي نزاع مع العصابات الأخرى، بأن أعماله ما هي إلا لحماية عائلته، وهو موجود لنصرة كل مظلوم ولا يمكنه أن يقوم بقطع رزق أي أحد من أهل بلدته «الهيبة»، بل على العكس هو مسؤول عنهم جميعاً ولا يرّد أي محتاج خائباً. وبالمقابل نجده يتحول إلى وحش كاسر إن مرّ في طرقات منطقته، بضاعة لعصابة تتجار سواء بالسلاح أم الحشيش أم المخدرات من دون علمه، فهناك قواعد مفروضة ومن غير الممكن تجاوزها تحت أي ظرف كان.
وليس هذا فقط بل قد أصبح من المألوف لدينا بأن رئيس العصابة «جبل شيخ الجبل» بطل قادر على السيطرة على الخصوم، ويمكنه أن يتجاوز كل العراقيل بكل هدوء، وليس هذا فقط بل سلطته ومفاتيحه ممتدة لأهم مفاصل الدولة ولتكون تحت تصرفه.
في عشرين عشرين
غياب الموضوعية والشفافية في تصوير شخصية رئيس العصابة، أمر اعتمدته الكاتبة نادين جابر في تشكيل شخصية بطل المسلسل «عشرين عشرين»، وذلك من حيث تلميع صورة رئيس العصابة وأنسنتها، فهذا الأمر مناقض للمنطقية، وصحيح أن احتماله وارد ولكنه نادر، ولهذا ومن أجل كسب ودّ الجمهور كان لابدّ من أن تذهب قصة المسلسل بالاتجاه نحو الخيال والمبالغة في الاستعطاف، من جهة ومن جهة أخرى اختيار النجم ليؤدي الشخصية، فحضوره المميز من حيث الشكل والتمثيل فيه الكثير من التأثير الإيجابي في شدّ المتابعين، هذه كلّها عناصر يستغلها الكاتب كي يروّج لقصة مسلسله.
ونبقى في مسلسل «عشرين عشرين» وعند الفنان قصي خولي في شخصية «الريّس صافي» فهو رجل عصابات بارز ويقود عصابة تقوم بترويج المخدرات والممنوعات، ولكن ما يظهر للعيان بأنه تاجر على مستوى في توريد وبيع الخضراوات والفواكه، «صافي» شخص يتميز بالدهاء والقدرة على المراوغة مع رجال الأمن والشرطة، وبالمقابل نجده الشاب الطيب وصاحب الخلق والمحب لعائلته ويقدم الخير لكل سكان الحي ولا يحب الظلم، فالريس «صافي» شاب محبوب وينظر إليه أهل الحي على أنه «روبن هود» والكل يطلب منه النجدة والمساعدة، وبالمقابل هو لا يرد خائباً. كما ونشاهده يقول للفتيات اللواتي يعملن معه في تحضير بضاعة المخدرات وتعبئتها بالخضراوات في أحد المشاهد: «نحن ما عم نعمل شي غلط… نحن ما عم ندفش حدا ليجي لعنا…. يلي عم يتعاطى هوي محتاجنا وهوي بيجي لعنا»، في تبرير وتشريع لطبيعة العمل الذي يقومون به، من حيث إنه لا يؤذي أي أحد على الإطلاق.
الثوابت تغيّرت
يقول أهل الاختصاص بأن هذه النوعية من المسلسلات نجحت لأنها تمثل الواقع في جوانب عدة، من حيث ارتفاع نسب العنف في البلدان العربية الناتجة عما فرضه الربيع العربي الأسود، بمفرزاته من انتشار للجرائم والزعامات والميليشيات، لكن المستغرب اليوم هو تأييد الجمهور لزعماء هذه العصابات، بل واعتبارها أبطال رحمة، بعدما كانت النظرة إليها في الماضي غير محببة كونها مثالاً سيئاً بكل شيء مرتبط بها.
وأيضاً يضيفون بأن وسامة بطل المسلسل وشعبيته التي حققها في مشواره الفني من خلال الأدوار المتنوعة التي أداها، تفعل فعل المخدّر في حُسن التأثير وكسب ودّ الجمهور، بغض النظر عن طبيعة الدور.
وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن التأثير لهذه النوعية من المسلسلات على الجمهور يمكن لمسه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي من حيث تكرار العبارات التي كان يقولها الأبطال مثل كلمة جبل شيخ الجبل «لا تهكلوا للهم» وأيضاً كلمة «إثبات» والتي كان يطلب بها من خصمه بأن يشتدّ أمامه، وكلمة الريس صافي «يا عفو الله» وعبارة «وحق يلي بسط الأرض ورفع السما»، وهي عبارة كانت مسجلة باسم الممثل عباس النوري حيث رددها في مسلسل «ليالي الصالحية» عام 2004، ولكنها أصبحت اليوم مسجلة باسم الفنان قصي خولي ومتداولة بين الناس والشباب، حتى إنها انتشرت في التعليقات على الفيسبوك، عدا عن تقليد الأبطال بالشكل أو أسلوب الكلام وفي الحركات.
سيرياهوم نيوز-الوطن