كتب د. المختار
لأولِ مرةٍ يدعو الرئيسُ الأمريكي جو بايدن إلى وقفِ إطلا.قِ نا.رٍ مستدامٍ في غزّ.ةَ، ويتقصّدُ ببيانِه قراءةَ بنودِ الاتفاقِ المقترحِ وكأنَّه يريدُ قطعَ الطريقِ على أحدٍ ما حتى لا يتمكنَ من تغييرِ البنودِ، وقد تضمّنَت دعوتُه:
— وقفَ إطلا.قِ نا.رٍ شاملٍ مدّةَ 6 أسابيع.
— الا.نسحا.بَ من المناطقِ المأهولةِ في غ.زّ.ةَ.
— عودةَ الأهالي المدنيين إلى كلِّ مناطقِ غ.زّ.ةَ بما فيها الشمال.
— السماحَ بدخولِ المساعداتِ.
— تبادلَ الأ.سرى “الإ.سر.ائيليين” بما فيهم العسكريون مقابلَ إطلاقِ سر.احِ سجناءٍ فل.سطينيين.
— الالتزامَ بإعادةِ إعمارِ غ.زّ.ة.
هذا التصريحُ العلني لأولِ مرةٍ من بايدن يحتملُ وجهين:
الوجهُ الأولُ: إنَّ “إ.سر.ائيلَ” مأزومةٌ وتستغيثُ سراً وتريدُ من أمريكا إخراجَها من المأزقِ بعدما فشلَت في ر.فحَ وتكبّدَت خسا.ئرَ فادحة.
الوجهُ الثاني:
يتعلقُ بطبيعةِ العلاقةِ الجدليَّة بين أمريكا و”إ.سر.ائيلَ” فهذه نقطةُ تحوّلٍ، ورسالةٌ من بايدن إلى نتن.يا.هو، وكأنَّ لسانَ حالِه يقولُ نحن ملتزمون بأمنِ “إ.سر.ائيلَ” لكنّنا لم نعد قادرين على تحمّلِ نتائجِ العد.وانِ والمجا.ز.رِ، وبتنَا مقتنعين بفشلِ “إ.سر.ائيلَ” في تحقيقِ أهدافِها التي شنّت الحر.بَ من أجلِها والتي كنَّا نتوقّعُ أن تتمكّنَ من حسمِها خلالَ أربعةِ أشهرٍ، وأصبحنا على قناعةٍ بعجزِها مستقبلاً عن تحقيقِ تلك الأهداف.
وهذا ما دفعَ بوزيرِ الخارجيةِ أنطوني بلينكن للاتصالِ مع وزراءِ خارجيةِ كلٍّ من تركيا ومصرَ والسعودية، والهدفُ من الاتصالِ لا يعدو أن يكونَ من أجلِ الضغطِ على الم.قا.ومةِ للتنازلِ “والمرونة”.
نتن. يا.هو بدورِه يستفيدُ من هذا الضغطِ ويلعبُ دورَ المنكرِ لاقتراحِ بايدن ويدّعي أنَّ “إ.سر.ائيلَ” لم تقدمه، محاولاً إيهامَ الم.قا.ومةِ أنَّه ليس في عجلةٍ من أمرِه، ويقولُ لا وقفَ للحر.بِ قبل أن تحقّقَ أهدافَها، وبذلك يوجّهُ رسالةً لليمينِ الم.تطر.فِ أنَّه لم يغيّر أهدافَه ومازال معهم، وأنَّه يتمُّ الضغطُ عليه من قبلِ بايدن الذي تقدّمَ بعرضٍه، — هو بالأساسِ مضمونُ الورقةِ “الإ.سر.ائيليةِ” — وأنَّ بايدن غيرُ مطلعٍ على واقعِ الداخلِ “الإ.سر.ائيلي”.
لكنَّ محاولةَ الا.نسحا.بِ “الإ.سر.ائيليةِ” هذه من ورقتِها المقدمةِ لبايدن، لا تعدو أن تكونَ نوعاً من الخد.اعِ والمماطلةِ في المفا.وضاتِ للحصولِ على أفضلِ نتائجَ عبرَ اعتمادِ أسلوبِ تبادلِ الأدوارِ بين أمريكا و”إ.سر.ائيلَ”، جهةٌ توافقُ، وجهةٌ ترفض.
وهذا يذكّرنا بقرارِ تقسيمِ فل.سطينَ الصادرِ عن الجمعيةِ العامةِ للأممِ المتحدةِ رقم 181 الذي صدرَ في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947م والذي سعَت “إ.سر.ائيلُ” حينها بكلِّ قوتِها لدى بريطانيا وأمريكا وقوى دوليةٍ أخرى إلى استصدارِه، لكنَّها بعد صدورِه مباشرةً رفضَته ورفضَت تنفيذَه، وهو القرارُ الذي أعطى الفل.سطينيين 42.3 % من أرضِ فل.سطينَ، وأعطى “إ.سر.ائيلَ” 57.7 % منها.
كلا الوجهين يتفقان على أنَّ “إ.سر.ائيلَ” في أزمةٍ، وأمريكا بهذه الخطوةِ اليومَ تحاولُ أن تحميها من نفسِها خوفاً عليها من العزلةِ الدوليةِ، لأنَّ الواقعَ الدولي خلال الشهرِ الأخيرِ لم يكن لصالحِها، فقراراتُ محكمةِ العد.لِ الدوليةِ ومحكمةِ الجنا.يا.تِ الدوليةِ تلاحقُها وتلاحق قادتَها، والوضعُ الداخليُّ “الإ.سر.ائيليُّ” يشهدُ تصاعدَ الاعتراضِ على الحكومة.
ومن جهةٍ أخرى توظّفُ إدارةُ بايدن تصريحَه لتقدّمَه للناخبِ الأمريكي أنّها تبذلُ أقصى الجهودِ لإيقافِ الحرب.
يضافُ إلى كلِّ تلك العواملِ التي تشيرُ إلى أنَّ “إ.سر.ائيلَ” في أزمةٍ، عاملٌ آخرُ لا يقلُّ أهميةً وهو أنَّها رمَت بآخرِ ورقةِ تهديدٍ كانت تلوّحُ بها، وهي التهديدُ باجتياحِ ر.فح، أما الآن وقد دخلَت ر.فحَ، وفشلَت فيها، لم يبقَ لديها أيُّ أوراقٍ للتهديدِ بها.
حتى المناطقُ التي يعيدُ ج.يشُها الدخولَ إليها الآن يتكبدُ فيها الخسا.ئرَ الفادحةً ويضطرُ إلى الخروجِ منها مثل الخروجِ من بيتِ حانونَ مؤخراً.
فماذا بقِيَ إذاً…؟
الأيامُ القليلةُ القادمةُ ستوضّحُ أيَّ الوجهين هو الأصح.
أما الم.قا.ومةُ فقد اعتمدَت المرونةَ في استراتيجيتِها التفاوضيةِ معلنةً أنّها تتعاملُ بإيجابيةٍ مع الطرحِ الأمريكي.
لكن يجبُ ألا يفوتَ الم.قا.ومةُ التحصّنَ والحذرَ من احتمالِ أن تنسحبَ الإدارةَ الأمريكيةَ من التزامِها بضمانِ تنفيذِ كاملِ بنودِ الاتفاقِ بعدَ انتهاءِ المرحلةِ الأولى، وتنشغلَ بالانتخاباتِ وتديرَ ظهرَها — وهذه عادتها — وتعاودَ “إ.سر.ائيلُ” العد.وانَ بعد أن تكونَ قد استعادت الأ.سرى.
وهذا قد يحصل فيما لو تغيرت الإدارة بعد الانتخابات الأمريكية.
ترقبوا إعلان النصر.
(سيرياهوم نيوز ٣-صفحة الكاتب)