تحولت الإنتخابات التركية الى إهتمام إعلامي وسياسي واسع، فإنقسم الرأي العام خارج تركيا وداخلها بالدرجة نفسها تقريباً، ويعود هذا الإهتمام والإستقطاب إلى عوامل أساسية عديدة أهمها، وزن تركيا الإقليمي، والدور البارز الذي تؤديه في معظم ملفات منطقة الشرق الأوسط.
وبالتوازي مع تنامي أهمية الدور التركي، برزت محورية شخص رئيس الحكومة أردوغان الذي تحوّل إلى شخصية جدلية داخل تركيا وخارجها بين من يرى فيه نموذجاً للزعيم السياسي الناجح الذي حقق تطوراً على كافة الصعد لبلاده، وبين من يرى فيه مستبداً يخفي وراء شعارات الديمقراطية والرؤية الإقتصادية الليبرالية مشروعاً دينياً متزمتاً.
اليوم تبدو تركيا أمام شهور قليلة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية سُتنهي عهد أول قرن منذ تأسيس الجمهورية، وترسم ملامح مستقبل القرن القادم. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل يدخل كليجدار أوغلو التاريخ من خلال إنهاء حكم أردوغان لتركيا المستمر منذ 21 عاماً وبدء عهد جديد، أم أنه سيصبح “جزءاً من الماضي” بخسارة الانتخابات وينسحب من المشهد السياسي؟
إن حساسية الإنتخابات بالنسبة الى حزب العدالة والتنمية أنها تجرى في ظل ظروف بالغة الصعوبة، فأجواء فضائح الفساد تهيمن على المشهد التركي، والإقتصاد يشهد مرحلة من التضخم وسط تراجع قيمة الليرة التركي، وفي الخارج فإن سياسة أردوغان أمام تحديات كثيرة بفعل التطورات الإقليمية والدولية، حيث فشلت سياسة عدم خلق خلافات مع دول الجوار إذ تعاني تركيا من نوع من العزلة الإقليمية خصوصاً بعد سقوط حكم محمد مرسي في مصر، وخلافات مع العراق ومشاركة فعالة في ضرب ليبيا وتخريبها، وتورط في تفاصيل الحرب السورية، والانفتاح الغربي على إيران وإن كان محدوداً، وصولاً إلى الحسم الروسي في أوكرانيا، كل هذه القضايا وغيرها مؤشرات إلى ضراوة المعركة التي يقودها أردوغان شخصياً.
بالمقابل يملك كمال كليجدار أوغلو، زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، أبرز طرف معارِض في تركيا، فرصة واقعية لهزم الرئيس أردوغان خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، حيث كان تجاوب أردوغان البطيء مع الزلزال المدمّر الذي ضرب البلد في شهر شباط الماضي كفيلاً بإضعاف شعبيته، بالمقابل يرأس كمال كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري المعارض التركي منذ مايو عام 2010 حتى الآن، وهو معروف بمعارضته الشديدة لأردوغان وسياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو من أكبر المدافعين عن القيم العلمانية لتركيا وإرث أتاتورك.
وانطلاقاً من ذلك نجح كليجدار حتى الآن في تشكيل تحالف من العلمانيين، والمحافظين الإسلاميين، والقوميين الأتراك، كما أنه حظي بدعم “حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد.
في الوقت نفسه، يعارض كمال كليجدار أوغلو التدخل التركي في الشؤون السورية، و يريد تطبيع العلاقات مع الدولة السورية لذلك يجب ألا يتفاجأ أحد إذا كانت دمشق أول وجهة يزورها كليجدار أوغلو بصفته رئيس الدولة التركية في حال وصوله إلى سدة الرئاسة، بالإضافة الى إعادة اللاجئين السوريين إلى سورية وإغلاق الحدود أمام جميع أنواع المعابر غير الشرعية ، كما ستعمل المعارضة على تعزيز موقعها في حلف الناتو، وتحالفها مع واشنطن، وإعادة تفعيل مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، والالتزام بأحكام المحكمة الأوروبية.
في مطلق الأحوال، سورية التي انفتحت أمامها أخيراً الأبواب العربية والإقليمية وبعد الصمود والتضحيات الكبيرة التي قدمتها لا تجد نفسها على عجلة من اتفاق سياسي مع حكومة العدالة والتنمية التي تجهد لتحقيق نصر ديبلوماسي يخدم معركتها الانتخابية القادمة، قبل أن تقدم هذه الأخيرة ولو على جردة بسيطة من الحساب المترتب عليها بعد سنوات من السياسات الخاطئة، كما أن تركيا ستعمل على استخدام حوارها مع دمشق ورقة مساومة مع واشنطن لانتزاع تنازلاتٍ منها في بعض القضايا، منها مسألة الدعم الأميركي للوحدات الكردية.
في هذا السياق، لم تعد الأمور بحاجة لوقت، فالرئيس أردوغان يعيش حالة من القلق والإرتباك في مواقفه لفشل مشروعه في سورية وإتساع دائرة المعارضة داخل تركيا لهذا التدخل، ومن هنا فمصير إردوغان السياسي معرض للخطر في الانتخابات المقبلة ، لذلك من المتوقع أن تشهد الساحة السياسية في البلاد تصفية حسابات، وهو الثمن الذي سيدفعه الرئيس أردوغان نتيجة أخطاءه في سورية وسعيه الفاشل لإسقاطها، وإنطلاقاً من كل ذلك، يجب على تركيا إعادة النظرة في الرهانات السياسية والعسكرية الخاطئة قبل فوات الأوان.
مجملاً…سئم الأتراك على ما يبدو من أردوغان و”حزب العدالة والتنمية” بسبب غطرسة هذا الفريق، وفساده، ومعاداته للديمقراطية،لا شك في أنهم سيفرحون بهزيمته.
وأختم بالقول: عندما نتابع الأحداث السياسية وبرؤية تحليلية نكاد نجزم بأن تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات مرعبة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في تركيا، ومن هذا المنطلق يجب على أنقرة أن تتأهب لمرحلة جديدة، والتي ستنعكس آثارها بطبيعة الحال على منطقة الشرق الأوسط وربما على الحالة الدولية.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم