ميشيل خياط
لاحظت أن الموضوع رقم واحد في أحاديث من زرتهم وأصغيت إليهم إبان العطلة الأخيرة الطويلة نسبياً، هو غلاء الأدوية بعد الزيادة الأخيرة _ الكبيرة _ لأسعارها. غلاء تجاوز اللامعقول، وبات يتطلب إنفاق كامل الراتب الشهري للحصول على الأدوية المزمنة لمتقاعد أو متقاعدة.
ويجب عدم الاستهانة بالتوصيف، فهؤلاء هم الأكثر احتياجاً للأدوية الدائمة شهرياً، وعددهم اليوم لا يقل عن مليون نسمة.
وثمة شكوى مماثلة لدى الأسر العاملة الشابة والكهلة على الرغم من اشتراكهم بتأمين صحي يركز على العمليات الجراحية وهي نادرة في حياتهم، في حين لا يتيح لهم الحصول على الأدوية إلا لبضعة أشهر ولا يسمح لهم بمراجعة الطبيب إلا لعدة مرات في السنة، ويحرمهم من الصور الشعاعية والتحاليل المخبرية لمصلحة ثمن الأدوية التي ارتفعت ارتفاعاً هائلاً، ما يفقد التأمين الصحي جدواه.
نادى جميعنا بتأمين صحي للمتقاعدين ولكن من دون جدوى، ووعدت به الحكومة أكثر من مرة ولم تف بوعودها بل لم تسوغ سبب إهمالها لهذا الموضوع المهم، علماً أن الشريحة المعنية لها فضل كبير، على البلد والناس وعلى الحكومة ذاتها بكل مكوناتها، فالمتقاعدون اليوم، أكانوا معلمين أم موظفين وعمالاً في كل مجالات الحياة، تعبوا وأعطوا، والأهم أنهم ادخروا من رواتبهم الضئيلة مبالغ لتساعدهم في المستقبل على العيش الكريم. فالراتب التقاعدي ليس هبة من الدولة، بل دين عليها، ولكن من المؤسف أن الأيادي التي احتضنت هذه المدخرات لم تحسن استثمارها آنذاك وأنفقتها في تمويل صندوق الدين العام بدلاً من أن تبني مصانع ضخمة ومنشآت إنتاجية كبرى توفر رواتب مجزية للمتقاعدين المحرومين من كل أنواع الامتيازات خلافاً لكل دول العالم…!!
لم يسبق أبداً أن كانت الأدوية الوطنية بهذا الغلاء الفاحش، وقد طالبنا مراراً أن يستبدل الأطباء الدواء الأجنبي الغالي بالأدوية الإيرانية والروسية والصينية الرخيصة والفعالة، بدليل رقي المستوى الصحي لما يقرب من مليار وخمسمئة مليون إنسان يعيشون في تلك الدول، ولم يفعلوا على الرغم من الاستمرار في استيراد بعض الأدوية الأجنبية،- الغربية- النوعية.
إن غلاء الأدوية الفاحش يأتي في وقت نعاني فيه من حرب اقتصادية أشد ضراوة من الحرب العسكرية، لكنها تختلف عنها، بافتقارها إلى ما نحتضن به حربنا العسكرية من قيم وطنية نبيلة وإصرار على الصمود وإقبال على الاستشهاد.
في سياق الحرب الاقتصادية التي أفقدت الليرة السورية جل قيمتها وجعلت الراتب الشهري (مهما كان عالياً في القطاع العام)، لايكفي أصغر أسرة عدة أيام، لم نتبن خطاباً إعلامياً مكثفاً يحض على سلوك معيشي ينسجم مع الأوضاع الراهنة.
بل على العكس نلمس- مسخرة – على الفيس بوك من طبيب ينصح بترشيد التعامل مع الموبايل لحماية عيوننا وبالامتناع عن التدخين لتجنب سرطان الرئة، واختصاصية تغذية تؤثر أن نكثر من الخضار ونقلل من اللحوم الحمراء للحماية من بعض الأمراض!
كانت السيدة اليزبت هوف المديرة السابقة لمكتب منظمة الصحة العالمية في سورية تستغرب النظرة الشعبية للمراكز الصحية على أنها ملاذ الفقراء، وكانت تقول: إنه عندهم في (النرويج)، يذهب المرضى إلى المراكز الصحية أولاً، وهي إما أن تحسم أمر مرضهم أو تحولهم إلى العيادات النوعية.
ولا أرى حلاً لمشاكلنا الراهنة مع الدواء سوى اللجوء إلى المراكز الصحية، وأقدم تجربة (مركز أبو ذر الغفاري في دمشق)، كمثال يحتذى به، فعلى الرغم من شح الأدوية لا يزال يقدم جزءاً من الحصة الشهرية لأدوية الأمراض المزمنة مجاناً مع العلاج والتشخيص بالأشعة والمخبر مجاناً.
إن على وزارة الصحة التي سمحت بزيادة أسعار الأدوية أن تزود مراكزها الصحية بالأدوية الأساسية والنوعية بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية من باب:اقرعوا يفتح لكم.
إن الموافقة على إنفاق 26 مليار ليرة لشراء أدوية ومنقيات دم وتجهيزات للقطاع العام الصحي في وزارة الصحة، خطوة إلى الأمام على الرغم من أنها تأخرت كثيراً، لكنها تبقى نقطة في بحر الاحتياجات الحقيقية.
ويجب أن يكون واضحاً أن لا صحة من دون دواء، وأن الدواء الغالي مثله مثل الدواء المفقود….!!!
سيرياهوم نيوز1-الوطن