آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » الدواء… المر!

الدواء… المر!

*بقلم:زياد غصن

يبدو أننا مقبلون على زيادة حكومية قريبة على أسعار الدواء الوطني. الزيادة المرتقبة، والتي ستكون الثانية خلال أقل من عام واحد، لا تُعرف حتى الآن نسبتها، إلا أنها لن تكون أقل من 100%، وهي نسبة الزيادة التي طرأت على السعر الرسمي لسعر الصرف، الذي رفعه المصرف المركزي منذ عدة أسابيع من 1256 إلى 2512، وتعتبره المعامل الدوائية سبباً جوهرياً لمطالبتها بزيادة أسعار منتجاتها الدوائية. لن أدخل حالياً في مناقشة وتحليل المبررات الاقتصادية التي تستند عليها المعامل الدوائية في مطلبها بالزيادة السعرية. مبررات قد تكون صحيحة، إنما هي لا تخرج بصورتها المطروحة عن كونها كلاماً عاماً غير مستند على بيانات وأرقام تفصيلية تحدد بدقة مستوى وحجم الخطر، الذي يكتنف هذه الصناعة، كما يشاع دوماً عند الرغبة بزيادة أسعار منتجاتها. وما دام قرار الزيادة قادماً لامحالة حسب قناعتي، فإن الأهم هو دراسة تأثيرات مثل هذه الخطوة على الوضع الاقتصادي والصحي للأسر السورية، والخيارات المتاحة للتخفيف من حدة تلك التأثيرات. على العموم، يمكن القول إن زيادة أسعار الدواء ستؤدي إلى سلبيتين خطيرتين: الأولى زيادة الأعباء المادية على الأسر التي يعاني قسم كبير منها من انعدام أمنها الغذائي بحسب البيانات الرسمية. والسلبية الثانية تتمثل في زيادة المخاطر الصحية التي تتهدد أفراد الأسرة، لاسيما الأطفال منهم. وكي لا يبقى كلامنا مشابهاً لما ورد في محضر اجتماع أصحاب المعامل الدوائية، نشير إلى بعض البيانات الإحصائية الرسمية لتأكيد السلبيتين المتوقعتين.. أولى هذه البيانات ما يتعلق بالوضع المعيشي للأسر السورية، إذ تؤكد نتائج مسح الأمن الغذائي، الذي جرى نهاية العام الماضي، أن أكثر من 55 % من الأسر تعاني من انعدام متفاوت بين الشديد والمتوسط في أمنها الغذائي، في حين أن 39.4% تتمتع بأمن غذائي مقبول، إلا أنها معرضة لانعدام أمنها الغذائي نتيجة أي صدمة، وفقط 5.1% من الأسر كانت تتمتع بأمن غذائي. هذا يعني ببساطة أن زيادة أسعار الدواء ستدفع بأسر كثيرة إلى خيارات مؤلمة، إحداها اللجوء إلى المفاضلة بين تأمين وجبة طعام لأفرادها أو شراء الدواء، لاسيما وأن نتائج المسح المذكور تظهر أن 48.3% من الأسر يعاني أحد أفرادها من مرض مزمن أو أكثر. لا بل إن هناك أسر كثيرة، باتت تحت ضغط الأوضاع المادية، تلجأ إلى الطب الشعبي والاستعانة بالأعشاب عوضاً عن الدواء، وفي أحسن الأحوال يتم تخفيض عدد مرات تناول المريض للدواء يومياً، كما يفعل حالياً زميل صحفي. إذاً…. ما العمل؟ باعتقادي هناك خياران لا ثالث لهما… الأول؛ أن تمنح الحكومة المعامل الدوائية إعفاءات وتسهيلات مقابل المحافظة على استقرار الأسعار بوضعها الراهن إلى أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية العامة، كأن يتم إعفاء تلك المعامل من الضرائب والرسوم، تأمين حوامل الطاقة بأسعار مدعومة، تمويل مستوردات المعامل بسعر خاص… إلخ. الثاني؛ أن يتم تنفيذ حزمة إجراءات هدفها دعم حصول الأسر على احتياجاتها الدوائية، وذلك تزامناً مع رفع أسعار الدواء بنسبة معقولة. من هذه الإجراءات على سبيل المثال: زيادة تغطية التأمين الصحي للعاملين في الدولة وتوسيع قائمة الأصناف الدوائية المغطاة، شمول المتقاعدين بالتأمين الصحي، توفير مختلف الأصناف الدوائية في مستشفيات الدولة ومراكزها الصحية والتأكد من عملية صرفها فعلاً للمرضى، مراقبة عمل الصيدليات للحد من عمليات تلاعب بعضها بأسعار الدواء والتشدد بفرض العقوبات، دعم الجمعيات الأهلية المعنية بتوفير المساعدة العلاجية للأسر الفقيرة والمحتاجة…إلخ. ربما لو كان المكتب المركزي للإحصاء أجرى خلال سنوات الحرب مسحاً صحياً للأسر السورية كما حدث في العام 2009، لكان بالإمكان في مثل هذه الحالة إعداد دراسة تفصيلية موثقة، تتيح لصاحب القرار اتخاذ الإجراء المناسب، بعيداً عن الاجتهادات الشخصية ووجهات النظر

(سيرياهوم نيوز-المشهد15-6-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية: بين المشورة واتخاذ القرار

  حسان نديم حسن في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم وتنامي أهمية المؤسسات التشاركية، تبرز المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية كأدوات حيوية للإدارة وتقديم الخدمات ...