كتب د. المختار
إنَّ الاستهدافَ المعادي لمبنى القنصليةِ الإيرانيةِ في دمشقَ، والذي أدّى إلى استشهادِ العميدِ محمد رضا زاهدي ونائبِه ومجموعةٍ من الضباطِ، تجاوزَ مجرّدَ كونهِ رداً بحدثٍ على حدث حتى لـو تـمَّ ربطُه بأيّ هجومٍ تعرّضّت له إ.سر.ا.ئيلُ في الأيامِ السابقةِ.
فقرارُ استهدافِ القنصليةِ عملٌ عد.وا.نيٌّ تجاوزَ كلَّ الخطو.طِ الحمرِ واخترقَ كلَّ القوانينِ والأعرافِ الدوليةِ بما ينطـوي على أبعادٍ استراتيجـيةٍ تتصلُ بأكثر من سـياقٍ وعنوانٍ، وتمثّلُ تصعيداً خطيراً ينتهجُه ا.لعد.وُّ ويهدفُ إلى تأسيسِ معادلةِ رد.عٍ يراهنُ على توظيفِها في أكثر من مسار.
ولمعرفة الدوافعَ ا.لإ.سر.ا.ئيليةَ لهذا العد.وانِ، ولوضعِ الخططَ المعاكسةَ التي تُفشلُ أهدافَه لابدَّ من معرفةِ الخلفياتِ وآلياتِ التفكيرِ التي انطلقَ منها قادةُ ا.لكيا.نِ لتنفيذِ هذا العد.وانِ والتي يمكنُنا استشرافُها من واقعِ الميدانِ، ومن بعضِ التصريحاتِ ا.لإ.سر.ا.ئيليةِ التي سبقَت وأعقبَت العد.وانَ على القنصلية.
أولاً: – تنظرُ إ.سر.ا.ئيلُ إلى استهدافِ القياداتِ الإيرانيةِ ومصالحِ طهرانَ في الخارجِ، على أنَّه جزءٌ مـن استراتيجيتِها فـي مواجهـةِ محورِ الم.قا.و.مةِ في وقتٍ ترتفـعُ فيه سخونةُ الـمشهـدِ الإقليمي، ويبدوُ أنَّ الأمورَ تسيرُ مسرعةً نحو المواجهةِ بشكلٍ تصلُ فيه إلى نقطةِ اللاعودةِ، ولا يُعدُّ أيُّ طرفٍ في جبهاتِ الإقليمِ قادراً على ضبطِها، لاسيما أنَّ قواعدَ الاشتباكِ في تغيّرٍ يومي إن لم نقُل آني.
ثانياً: – إنَّ ا.لكيا.نَ ومعه الولاياتُ المتحدةُ الأميركيةُ يسيران نحو جرِّ المنطقةِ لحر.بٍ لم يحن وقتها بنظر المحور، وكانت مؤجلةً لكنّها اليومَ أصحبَت بنظر ا.لكيا.ن ضرورةً لأسبابٍ عدّة أبرزُها:
— ترميمُ صورةِ الردعِ ا.لإ.سر.ائيلي بعد استعصاءِ تحقيقِ أيّ نصرٍ في غ.زّ.ةَ، والخروجُ منها بمعادلةِ لاغالبَ ولا مغلوبَ على الأقل، وتثبيتُ الواقعِ على ما هو عليه.
— التغطيةُ على الـهـزيمةِ الأميركيةِ في جبهاتٍ عدّة، أهمُّها في أوكرانيا وفي البحرِ الأحمرِ والعراقِ وشرقِ سورية.
— محاولةُ الفصلِ بين جبهاتِ محورِ المقاومةِ التي تضافرَت وتضامنَت في محورٍ واحدٍ صلبٍ ومتضامنٍ من سوريةَ إلى لبنانَ والعراقِ واليمنِ وإيرانَ تحت عنوانِ نصرةُ غ.زّ.ة، والإعدادِ للمعر.كةِ الكبرى القادمة.
لأنّ دول المحور تدركُ أنَّ هذه المعركةَ معركةُ وجودٍ وتثبيتُ وقائعَ في منطقةٍ مشتعلةٍ على الدوامِ وبحاجةٍ إلـى إعــادةِ تشبيكٍ في سياقِ مجابهةِ ا.لعد.و، وهذه هي أنسبُ الفرصِ لتفرضَ جبهاتُ الإقليمِ كلمتَها بكاملِ قوتِها ووحدةِ حالِها، وهو السببُ نفسُه الذي يجعلُ أمريكا وإ.سر.ا.ئيل تستعجل ا.لحر.ب لتفكيكِ هذه ال.جبها.ت.
ثالثاً: – العد.و في عد.وانِه على القنصليةِ كأنّه يخاطبُ إيرانَ أنتم عضو رئيسٌ في المعادلةِ، وسنقومُ بمعالجةِ الأمورِ معكم عبرَ رسالةِ الدمِ هذه، وإنَّ توسيعَكم نطاقَ المواجهةِ ضدَّ إ.سر.ا.ئيلَ سيؤدي إلى توسيعِ الردودِ ضدَّكم بما يتجاوزُ حلفاءَكم في المحورِ ويطولُ مصالحَكم وسيادتَكم وقياداتِكم شخصياً.
رابعاً: – أرادَ العد.و التغطيةَ على فشلِه الذريع في غ.زّ.ةَ بتوجيهِ رسالتين:
الأولى: إلى الداخلِ ا.لإ.سر.ائيلي بأنّه يمتلكُ قدرةَ ردعٍ وذراعاً طويلةً.
والثانيةُ: إلى م.حو.رِ ا.لمقا.و.مةِ بأنَّ إ.سر.ا.ئيلَ مستعدةٌ للذهابِ بعيداً في ردودِها ومستعدةً لتوسيعِ العملياتِ إلى مستوياتٍ محفوفةٍ بمخاطرِ التدحرجِ إلى حر.بٍ كبرى في المنطقةِ، — لا يرى أطرافُ المحور أنَّه حان وقتها — أملاً أن يسهمَ ذلك في تغييرِ معادلةِ الر.دعِ الميدانيةِ المتصد.عةِ الآن.
خامساً: – انطلقَت قـيـادةُ الا.حتلا.ل من تقديرٍ للموقفِ يفيدُ بأنَّ هناك مجموعةَ قيودٍ عملياتيةٍ تمنعُ إيرانَ من الرّدِ على إ.سر.ا.ئيلَ، حتى لو كانـت تمتلـكُ القدرةَ، ومنها وجودُ قيودٍ على تنفيذِ الردودِ مـن أراضي حلفاءِ طهرانَ، ومنها أنَّ استهدافَ الك.يانِ انطلاقاً من الأراضي الإيرانيةِ هو ردٌّ غيرُ واردٍ لأنَّ إ.سر.ا.ئيلَ لم تستهدف إيرانَ في أراضيها مباشرةً، (متجاهلةً أنَّ القنصليةَ وفقَ الأعرافِ الدبلوماسيةِ تعدُّ على أرضٍ إيرانيةٍ).
ويؤكّدُ ذلك تصريحُ خبيرةِ شؤونِ الشرقِ الأوسطِ في مركزِ “بيركل” للعلاقاتِ الدوليةِ بجامعةِ كاليفورنيا بلوس أنجلوس “داليا داسا كي” التي قالت: ” يُنظرُ إلى المرافقِ الدبلوماسيةِ على أنَّها مساحاتٌ وطنيةٌ وسياديةٌ محميةٌ، وأنَّ اله.جو.مَ على منشأةٍ دبلوماسيةٍ يشبهُ اله.جو.مَ على الدولةِ نفسِها”.
سادساً: – لا شكَّ أنَّ خيارَ ضر.بِ أهدافٍ إيرانيةٍ كان مطروحاً على طاولةِ مجلسِ الحر.بِ بدليلِ تعليقِ ر.ئيسِ الا.ستخبا.ر.اتِ الـع.سكريةِ السابقِ، اللواء “تامير هايمن” على ضر.بِ القنصليةِ، بـالـقـولِ: “أخيراً نرى إيرانَ تدفعُ ثمناً مباشراً على ما تفعلُه ضدَّ إ.سر.ائيلَ من وراءِ الكواليسَ”.
فيما يشيرُ إلى أنَّ هذا الخيارَ كان مطروحاً، ولكن تمَّ تجنّبُه طـوالَ الفترةِ الماضيةِ نتيجةَ مخاطرِه التي يمكنُ أن تمتدَ إلى الإقليمِ كاملاً، وقد حانَ وقتُه الآن بنظرهم، إضافةً إلى كونِه يحتاجُ إلى دعمٍ مباشرٍ من قبلِ أمـيـركـا التي تحكمُها اعتباراتٌ أوسعُ في تقديرِها للمصالحِ والمخاطرِ، وقد تكونُ قد أعطَت الضوءَ الأخضرَ الآن.
سابعاً: – من الدوافعِ التي انطلقَت منها إ.سر.ا.ئيلُ لتنفيذِ هذا العد.وانِ رؤيتُهم أنَّ إيرانَ لها الدورُ الرئيسُ في التطويرِ الكبيرِ لقدراتِ محو.رِ الم.قا.و.مةِ، والتي تهدّدُ الك.يانَ استراتيجياً، وتـرى إ.سر.ائيلُ. أنَّ كلَّ ما تواجهُه منذ عمليةِ طوفانِ الأقصى « كان لإيرانَ دورٌ رئيسٌ فـيـه، من خلالِ تمكينِ قـوى الم.قا.ومةِ بالقدراتِ والخبراتِ بدءاً من حركةِ ح.ما. سَ إلـى ح.ز.بِ ا.للهِ إلى اليمنِ.
وهو ما أشارَ إليه وزيرُ الأ.منِ الإ.سر.ائيلي، “يو.آف غـا.النـت”، عشيةَ استهدافِ القنصليةِ، حيثُ قالَ أمامَ لجنةِ الخا.رجيةِ والأ.منِ في الك.نيست: إنَّ “هدفَنا هو العملُ في كلِّ مكانٍ، وكلِّ يومٍ، لمنعِ تعاظمِ قد.ر.اتِ أعد.ائِنا، ولنوضّحَ لكلِّ من يعمل ضدَّنا في جمـيعِ أنحاءِ الشرقِ الأوسطِ أنَّ ثمـنَ العملياتِ ضدَّ إ.سر.ا.ئيلَ سيكونُ باهظاً.
وفي السياقِ نفسِه، كانَ كلامُ الناطقِ باسمِ الج.يشِ الإ.سر.ائيلي، “د.انيا.ل ها.غا.ري”، في مقابلةٍ مع شبكةِ “سي إن إن” أنَّه في الأشهرِ الستةِ الأخيرةِ، كانَت المنطقةُ تتجهُ إلى تصعيدٍ والسببُ إيران التي تُعدُّ اللاعبَ المركزي وتستخدمُ وكلاءَها في لبنانَ والعراقِ واليمنِ ضدَّ إ.سر.ائيل.
ويؤكدُ ذلك تصريحُ قائدِ سلاحِ البحريةِ الإسرائيلي السابقِ، اللواء “أليعازر تشيني ميروم”، بقولِه مخاطباً الإيرانيين: “أنتم لا يمكنُكم أن تجلسوا جانباً وتعطوا الأوامرَ وتدعموا المنظماتِ الوكيلةَ وتظلّوا آمنين”.
كلّ هذه التصريحات تبينُ حجم الجوع لدى نتن ياهو لتحقيقِ أي هدف يقدم للجمهور على أنه نصر.
رؤيةٌ مغايرة:
لكن هناك في الداخلِ الإ.سر.ائيلي من يخالفُ هذه الرؤيةَ ومنهم المسؤولةُ السابقةُ للملفِ الإيراني في ال.مو.سا.دِ “سيما شا.ين”، التي حذّرَت بما يخالفُ هذا التقييمَ وقالت: إذا قرّرَت إيرانُ الرّدَ على إ.سر.ا.ئيلَ فهي قادرةٌ على ذلك. ودعَت إلى عدمِ التشكيكِ في قدراتِ ّإيرانَ، قائلةً: “لقد رأينا ما فعلوه لنا في الماضي، وعلينا ألا نستخفَّ بـقـدرتـِهـم على الرّدِ، فلديهـم الـقـدرةُ والحافزيةُ، حتى وإن وُجدت قيودٌ هنا أو هناك، فأقترحُ عدمَ الاستخفافِ بـقـدرتـِهـم على الرّد”.
ونحن نرى بعدَ تصريحِ المرشدِ الأعلى ووزيرِ الخارجيةِ الإيراني بالقول: “إننا نحتفظُ بحقِّ الرّدِ ونوعِ العقابِ للمعتد.ي”، أنَّ الرّدَ قادمٌ لامحالةَ، لكن من غيرِ المعروفِ أين وكيفَ وخاصةً أنَّ إيرانَ لديها بنكُ أهدافٍ غنيٌّ ومتنوع.
(سيرياهوم نيوز ٢-صفحة الكاتب)