| شفيق طبارة
براديكالية ليو كاراكس، بالروك أوبرا والتراجيديا والغرابة، ينطلق «مهرجان السينما الأوروبية» في لبنان (4 – 16 تشرين ثاني 2022) بعد تأجيل دام عامين. «أنيت» (2021)، هو فيلم الافتتاح، مزعج وحميمي بشكل رهيب، يختلط فيه الأثيري بالدنيوي، الجريمة بالاعتراف، العقاب بالمغفرة، المسرح بالسينما. للمرة الأولى تقريباً بعد فيلمه الأول «صبي يقابل فتاة» (1984)، يكون ليو كاراكس واضحاً في السرد: يلتقي رجل بامرأة، يقعان في الحب، فتحدث أشياء. على الرغم من هذا الوضوح، لا يكلّ المخرج الفرنسي عن اللعب معنا. يحذّرنا بأن ما نشاهده مجرد عرض، تمثيل، لكن الحقيقة تكمن ما وراء التمثيلات. يبدأ الفيلم مع كاراكس نفسه وابنته المراهقة (أهداها الفيلم، وهي ثمرة علاقته مع الممثلة الروسية يكاترينا غولوبيڤا التي انتحرت عام 2011)، في استديو التسجيل مع الممثلين وفرقة البوب روك «سباركس» (مؤلفو موسيقى الفيلم وأغنياته)، ويدعونا جميعاً «للبدء» بالتركيز، وحبس الأنفاس لمدة ساعتين. ولأننا نواجه في الفيلم مسرحاً أوبرالياً (بوب روك)، تلمح الكلمات الافتتاحية: «ولكن أين المسرح؟ هل هو في الخارج أم في الداخل؟». بعد ذلك، يظهر آدم درافر وماريون كوتيّار مع المزيد من أعضاء الفيلم، ويبدؤون بالغناء، لنا، نحن المشاهدين. يحذروننا بأنهم يعلمون بأننا موجودون ننظر إليهم.
إنها البداية المثالية لـ «مهرجان السينما الأوروبية» بدورته السابعة والعشرين التي تنظمها «بعثة الاتحاد الأوروبي» في لبنان، بالشراكة مع جمعية «متروبوليس سينما». يزخر برنامج الدورة بمحطات متنوّعة ومتنقّلة في مناطق مختلفة في بيروت، مثل صالة «مونتاني» و«معهد الفنون الجميلة» في الجامعة اللبنانية (الفرع الثاني ـ فرن الشباك) و«غالاكسي غراند سينما» (بولفار كميل شمعون ـ الحازمية)، إلى جانب عروض في جونية (7-9 تشرين الثاني/ نوفمبر)، وصيدا (10-12 ت2)، وطرابلس (11-12 ت2)، والقبيات (11-12 ت2)، وجبيل (11-12 ت2)، والهرمل (11 ت2)، وزحلة (14 ت2)، ودير القمر (18 ت2) وعيتا الفخار (18-20 ت2).
وانطلاقاً من الحرص على دعم المواهب اللبنانية الشابة، يخصص المهرجان ثلاث جوائز للأفلام المشاركة في مسابقة الأفلام القصيرة، تتيح للفائزين فرصة حضور مهرجان سينمائي دولي في أوروبا في عام 2023. كما سيشارك ستّة شبان وشابات تراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً في ورشة عمل بعنوان «تعبير» بين 4 و6 تشرين الثاني (نوفمبر) لإنتاج مذكرات فيديو قصيرة. وتصوّر التدريبات في المحيط المباشر لورشة العمل كما في المنزل بإدارة المخرجة كورين شاوي والجامعية يارا نشواتي، اللتين ستشجعان المشاركين على تحديد لغة الفيلم الخاصة بهم وتطويرها.
Never Gonna Snow Again
Compartment Number 6
Playground
مؤلمة هي مشاهدة فيلم «ملعب» (لورا واندل)، حيث يتحول ملعب المدرسة إلى ساحة حرب بين الأطفال الذين يتعين عليهم التعامل مع عالم جديد من العلاقات الاجتماعية والتسلسل الهرمي. من خلال العيون الدامعة للطفلة نورا التي تكافح في يومها الأول في المدرسة مع شقيقها الأكبر سناً، تقدم لنا المخرجة لورا واندل نظرة على منطقة يفترض أن تكون آمنة، ولكن يتلاشى فيها دفء المنزل ويترك فيها الأطفال محاصرين بقوانينها الخاصة. بكاميرا خانقة وعلى مستوى طول أبطالها ودائماً قريبة من وجوه الأطفال، تحاصرنا المخرجة وتحاصر الأطفال في هذا المكان البارد حيث كل شيء كبير وغريب وخطير. بواقعية، بنت لورا فيلماً متوتراً، يتركنا في حالة انزعاج دائم. من اللحظات الأولى ننتقل من مجرد مشاهدين إلى متورطين في كل شيء يحدث حولنا. شهدت السينما العديد من الأفلام التي تدور حول موضوع التنمر، ولكنها قلّما كانت بهذا القدر من الواقعية. يكاد من المستحيل تخيل «ملعب» على أنه عمل خيالي يوثق تفاعلات أطفال في مدرسة ابتدائية.
«أسوأ شخص في العالم»
The Worst Person In the World
الانتقال من عمر العشرين إلى الثلاثين مرحلة صعبة. هناك دائماً ضغوط من أجل أي شيء وكل شيء في تلك المرحلة. الحاجة الملحة إلى أن نكون «شخصاً» في الحياة، وأن نظل مستقرين في أكثر اللحظات حساسية، وأن نكون عقلانيين. في هذه المرحلة، يظهر أيضاً البحث المستمر عن الرومانسية المثالية، عن الاستقرار والشعور بالكمال بجانب شخص يمثل ملاذاً لنا. هذا هو المكان الذي يأتي منه فيلم «أسوأ شخص في العالم» من المخرج واكيم ترير الذي يصنع أفلاماً تعتمد إلى حد كبير على المشاعر الإنسانية وتروى بأكثر الطرق تنوعاً. «أسوأ شخص في العالم» يروي قصة من خلال 12 فصلاً مع مقدمة وخاتمة. إنها قصة جولي التي تجسّد جيلاً كاملاً متردداً، فوضوياً، ومستعداً دائماً لتخريب كل شيء في أصغر القرارات. تشعر جولي بأنها محاصرة في دائرة من القرارات السيئة، ما يسبّب لها القلق والإحباط والحزن وعدم الرضى. لكنها تحاول ولا تزال تبحث عن نفسها وسط كل هذه الفوضى. يستخدم ترير هيكلاً لبنية الرواية بإيقاع لطيف وسهل المتابعة من دون تعقيد الشخصيات أو القصة. يشرح بطلاقة أن الفيلم هو عن امرأة تحاول إيجاد نفسها وتكوّن علاقاتها الرومانسية لتكون انعكاساً لها. المركزية هنا هي حياة جولي، التي تعلم أن العديد من القرارات التي تتخذها في الحياة ستؤذي من تحبهم، لكنها مفاوضات مستمرة تقوم بها في حياتها. وحتى عندما تتخذ قرارات قد تكون خاطئة (أو قد تبدو كذاك، في وقت لاحق)، تمضي قدماً مدفوعة بعدم اليقين وتتغذى عليه. لذلك، ليست جولي أسوأ شخص في العالم، على الرغم من أن أفعالها تجعلها تشعر بهذه الطريقة ولكنها في الوقت نفسه تعتبر الإخفاقات والقرارات المشكوك فيها وعدم الاستقرار الناجم عن الخوف من الوقت عمليات أساسية للنمو وإيجاد الذات. يعكس الفيلم هذا بطريقة حميمية كأنها جزء لا يتجزأ من الحياة. مع توالي الأحداث في حياة جولي، يغير الفيلم نبرته جذرياً ويصبح بجماله ثقيلاً ومظلماً، لأن جولي هي أحد المفقودين في الحياة، الذين يعيشون على أن عدم اليقين هو اليقين الوحيد، مع الخوف الدائم من الشعور بالوحدة مثل سحابة سوداء تحلّق فوقنا يومياً. من خلال جولي، نرى أن الفصول المختلفة في حياتها هي بمثابة بدايات جديدة. طريقة لإعادة اختراع أنفسنا مع الكثير من الانتصارات وخيبات الأمل، في النهاية كل إنسان هو أسوأ شخص في العالم عندما يكون هو بطل قصته.
Official Competition
See You Friday Robenson
تضعنا المخرجة الإيرانية ميترا فاراهاني أمام عملاقين: جان لوك غودار وإبراهيم غلستان
ما بدأ برسائل عادية، أصبح بعد ذلك شاشة عرض كبيرة تظهر عبقرية الاثنين وعمقهما الثقافي والسينمائي. الشريط مليء بتجارب الاثنين الأسلوبية: يبعث غلستان رسالة من كلمات، فيردّ غودار بمقاطع فيديو وصور واقتباسات. كل شيء يرسله الاثنان يصبح ذات قيمة فلسفية بسبب الأفكار الكثيرة التي يتشاركانها. تكلم الاثنان عن كل شيء تقريباً، الفن والسينما والدين والثورات والسياسة. وللمرة الأولى، سمح غودار لشخص بتصويره في بيته بهذه الحميمية. «أراك الجمعة، روبنسون» صندوق كنز ثمين يظهر عمق وفكر أحد أهم المخرجين العالميين.
* «مهرجان السينما الأوروبية»: بدءاً من 4 حتى 16 تشرين الثاني (نوفمبر) ــــــ صالة «مونتاني» (المعهد الفرنسي في لبنان) و«معهد الفنون الجميلة» في الجامعة اللبنانية (الفرع الثاني ـ فرن الشباك) و«غالاكسي غراند سينما» (بولفار كميل شمعون ـ الحازمية) إلى جانب عروض في مناطق لبنانية مختلفة. عروض المهرجان مجانية، على أساس أسبقية الحجز والحضور. يمكن الحجز مسبقاً عبر موقع metropoliscinema.net ــــــــــ البرنامج كاملاً