آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » الديموقراطيون لعرب أميركا: لا نراكم!

الديموقراطيون لعرب أميركا: لا نراكم!

علي حسن مراد

 

على مدى أربعة أيام، انعقد المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي في مدينة شيكاغو، ليفضي إلى إعلان المرشحة الرئاسية، كامالا هاريس، قبولها رسمياً ترشيح الحزب لها لخوض الانتخابات الرئاسية، مقابل دونالد ترامب. لم يستطع تيار «غير الملتزمين» أن يؤثّر في سلوك اللجنة الوطنية الديموقراطية المنظِّمة للمؤتمر، لاعتماد أي مضمون سياسي مناصر، أو بالحد الأدنى متعاطف مع القضية الفلسطينية، بل كانت رسالة القابضين على القرار في الحزب واضحة: كنّا وسنبقى حزب الغالبية الصهيونية الأكبر في أميركا.

 

منذ انسحاب جو بايدن من السباق الانتخابي الرئاسي وإعلان كامالا هاريس ترشّحها بدلاً منه، يواجه تيار المعترضين على أداء إدارة بايدن إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة، ضغوطاً لإسقاط المواقف الحادة التي أشهرها في وجه «جو الإبادة الجماعية»، على قاعدة أن هدف منع ترامب من العودة إلى البيت الأبيض «أسمى» وأولى من الاحتجاج على أداء في ملف من ملفات السياسة الخارجية. وعشية إعلان هاريس ترشّحها، كان بعض الناطقين باسم حملة غير الملتزمين يصرّحون إلى وسائل إعلام أميركية بأنّهم يعتبرون كامالا أقل استفزازاً من جو، وأنّها تختلف عنه نظراً إلى تعاطفها مع الفلسطينيين. سذاجةٌ عكستها أيضاً محاولات بعض الشخصيات العربية الأميركية استجداء مواقف من هاريس عشية إلقائها خطاباً في مهرجان انتخابي لحملتها في ديترويت في ولاية ميشيغان في 8 آب، عندما خاطبت المعترضين بعصبيّة: «إذا كنتم تريدون فوز دونالد ترامب، فقولوها، وإلا، فأنا أتحدث».المراهَقة السياسية لدى بعض العرب الأميركيين دفعتهم إلى تصديق أنّ الحالة التي تشكّلت وعبّرت عن نفسها ضمن حركة «غير الملتزمين» على مدى الأشهر العشرة المنصرمة، ستشكّل رافعة وازنة لفرض مطالب منحازة إلى القضية الفلسطينية، بما يؤدّي إلى زحزحة الانحياز المطلق إلى كيان العدو. ولعل هذه القناعة دفعت بعض العرب الأميركيين إلى التعويل حتى اللحظات الأخيرة قبل اختتام أعمال المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي ليل 22 آب، على إمكان أن تغيّر حملة هاريس رأيها وتعود عن قرارها رفض إعطاء كلمة لممثّل عن الموقف الفلسطيني أمام عشرات الآلاف من الحضور في المؤتمر.

والواقع أن تلك المراهقة تتجاهل حقائق راسخة في علاقة الحزب الديموقراطي بالكيان الصهيوني، على رأسها أنّ رأس المال اليهودي الذي يتبرّع بسخاء لمرشحي الحزب في كل دورة انتخابية أكبر بكثير من حسابات قيادته تجاه أقلية عربية وتقدّمية، تهدّد بالتصويت لمرشّح ثالث أو الامتناع عن التصويت كعقاب لمرشح الديموقراطيين، الذي دعم نتنياهو في حرب الإبادة على غزة. وما يحضر هنا، كلمات الملياردير اليهودي الأميركي، حاييم صابان، في رسالته إلى بايدن في أيار الفائت: «دعنا لا ننسى أنّ هناك عدداً أكبر من الناخبين اليهود الذين يهتمون بإسرائيل، مقارنة بالناخبين المسلمين الذين يهتمون بحماس». لكن ما لم يقله صابان في رسالته إلى بايدن – لكن فهِمه الأخير وفريقه حكماً – هو أنّ أموال الكتلة الصهيونية المنضوية ضمن الحزب الديموقراطي، قد تحجب عطاءاتها عن حملتهم الرئاسية.

تنشط حوالى 22 منظّمة ومؤسسة عربية أميركية في الضغط لوقف العدوان على غزة

 

قد يحاجج البعض بأنّ العرب الأميركيين يستطيعون التأثير في الانتخابات الرئاسية القادمة، حتى في ظل هيمنة الكتلة الصهيونية على التوجّهات السياسية للحزبَين. هذا جزئياً صحيح، لكن في حدود ضيقة. إذ يتركّز ثقل الوجود العربي في أميركا في ولاية ميشيغان المتأرجحة، بحوالى 211 ألف نسمة، مقابل 89 ألف يهودي، بحسب أرقام الإحصاء الرسمي الأميركي لعام 2024. وإذا بُني على أرقام استطلاعات الرأي الأحدث (RealClearPolitics) في الولايات المتأرجحة السبع، يتقدّم دونالد ترامب اليوم في ولايات نيفادا وجورجيا ونورث كارولاينا بهامش يتجاوز 1%، فيما ينافس هاريس في بنسيلفانيا وأريزونا. أما ميشيغان، التي شهدت تصويت 101,000 مقترع بـ«غير ملتزم» في 27 شباط الفائت، فسيكون لأصوات العرب الأميركيين وحلفائهم التقدميين فيها ثقل وازن، قد يرجّح الكفّة لمصلحة ترامب على حساب هاريس، فيما يمكن اعتبار أصوات غير الملتزمين في ولاية ويسكنسن مؤثّرة، لكن بدرجة أقل من ميشيغان، نظراً إلى عدم وجود جالية عربية ومسلمة وازنة في الولاية. هذه الحسابات تعني أنّ ترامب قد يحصل اليوم على ما يقارب 270 صوتاً في المجمع الانتخابي، وهو ما يعني فوزه بالانتخابات. والجدير ذكره أن الترجيحات كلها مبنيّة على أساس الافتراض أنّ كل من صوّت في الانتخابات التمهيدية بـ«غير ملتزم» كان بالضرورة رافضاً لأداء إدارة بايدن في الحرب على غزة، من دون الأخذ في الحسبان أنّ قسماً من غير الملتزمين كانت مشكلته مع بايدن تتعلّق بسنّه وصحته العقلية غير المقنعة.

بالنتيجة، إذا أريد البناء على الحالة التي أفرزتها حرب الإبادة الجماعية الصهيونية على غزة، من دون الأخذ في الحسبان أنّ الحق في أميركا لا يغلب من دون القوة، فهذا سيعني مراوحة في المكان الذي يريده النظام الرأسمالي الأميركي للأقليات. الإحجام عن محاولة استنساخ طرق عمل اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة، والانطلاق في عمل مؤسَّسي منظَّم ومدعوم مالياً، سيعني فشلاً في تلقّف الفرص التي تتاح لعرب أميركا مع كل حرب يُذبَح فيها أهلهم. لو أنّ أثرياء العرب يخصّصون ربع ما ينفقونه في أحد ملاهي لاس فيغاس في ليلة واحدة، ويقدّمونه عبر طرق معيّنة لتمويل عمل منظَّم عبر مؤسسات لا تبغي الربح، على تنوّعها، لربما تحسّنت فرص العرب الأميركيين على التأثير. اليوم، تنشط حوالى 22 منظّمة ومؤسسة عربية أميركية في الضغط لوقف العدوان على غزة، غالبيتها تتموّل ذاتياً وبشكل متواضع جداً مقارنة بمؤسسات اللوبي الصهيوني. وعند محاولة قياس تأثيرها، وخاصة في الحزب الديموقراطي، نكتشف أنّ النخبة السياسية الأميركية تتعاطى معها على قاعدة: لا أراكم!

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مصادر للميادين: إيران سترد بإجراءات نووية إذا أصدرت وكالة الطاقة الذرية بياناً ضدها

  مصادر إيران أكدت للميادين أنّ طهران “لن تترك طاولة الحوار، وهي مستعدة لاستئناف المفاوضات”، في حال تحلي الجانب الآخر بالإرادة اللازمة لإجراء مفاوضات مؤثرة. ...