| فقار فاضل
سجّل سعر صرف الدولار الأميركي أمام الدينار العراقي ارتفاعاً غير مسبوق خلال الأسابيع الأخيرة، وَصفه البنك المركزي بـ«البسيط» واعتبرتْه الحكومة «أمراً مؤقّتاً». ويأتي ذلك وسط قيود مشدّدة فرضها الاحتياط الفيدرالي الأميركي على المصارف العراقية بدعوى معالجة أزمة تهريب وغسيل الأموال، وهو ما لا يفصله مراقبون عن غايات سياسية متّسقة مع استراتيجية تشديد الحصار على إيران وحلفائها، في ساحات المواجهة كافة
بغداد | قرّر البنك المركزي العراقي، في كانون الأول 2020، خفْض سعر صرف العملة الوطنية من 1182 ديناراً للدولار إلى 1460 ديناراً. كان سبب ذلك في حينه، انخفاض أسعار النفط وضعف موارد الحكومة العراقية. أمّا في الوقت الحالي، وعلى رغم انتعاش أسعار النفط، فيبلغ السعر 1545 ديناراً مقابل الدولار الواحد، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والمجتمعية في العراق. وفي الشهر الجاري، فرض الاحتياط الفيدرالي الأميركي منصّة رقمية جديدة على «المركزي» العراقي وبعض المصارف الخاصة، بغرض تنظيم حركة بيع الدولار للتجّار. كما طلب من المستثمرين تقديم إثباتات كاملة بقائمة المشتريات والمواد المستورَدة. وبينما اعتبر «المركزي» أن ارتفاع سعر الصرف ناجم عن «ضغوطات مؤقّتة» تتعلّق بعوامل داخلية وخارجية، نظراً إلى اعتماد آليات لحماية القطاع المصرفي والزبائن والنظام المالي، حثّ رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، مدير البنك على إنهاء المضاربات غير القانونية ومتابعة عمل المصارف.
مع ذلك، يَتوقّع الخبير الاقتصادي، سلام عبد الحسن، أن «تستمرّ الأزمة وصولاً إلى انهيار الدينار، بحيث قد تصل قيمة كلّ مئة دولار أميركي إلى نحو مئتَي ألف دينار عراقي، وهذا ما سيؤثّر على الحكومة الحالية، وقد يتكرّر معه مشهد الأزمات التي تعيشها سوريا ولبنان»، معتبراً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «أميركا جادّة في فرْض رقابتها المشدّدة على المصارف العراقية والتعاملات المشبوهة، وذلك بسبب تطوّر العلاقة بين العراق وإيران في ظلّ الحكومة الحالية وتصدير الدولار برّاً وجوّاً إلى الخارج». لكن المحلّل السياسي، ماهر عبد جودة، يرى أن «التدخّل واضح من الإدارة الأميركية في تعطيل الحوالات من البنك المركزي، وذلك لغرض تكرار سيناريو قديم، وهو إسقاط السوداني، كما قامت بإسقاط سلفه عادل عبد المهدي؛ والسبب هو أن رئيس الوزراء أراد أن يحتوي بعض الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط وخاصة بين طهران والرياض، وهذا لم يَرُق الأطراف الغربية». ويتوقّع عبد جودة أن «تَسقط حكومة السوداني مع حلول الصيف المقبل، إذا بقيت الأوضاع على حالها ولم تعالَج الأزمات الاقتصادية والخدمية وغيرها من الجوانب المهمّة للمواطنين»، لافتاً إلى أن «الأزمة الحالية سببها الواقع السياسي وتأثيره المباشر على الاقتصاد، وإلّا ما الذي يفسّر هذا الارتفاع الجنوني للدولار والركود الاقتصادي الذي تشهده البلاد مع نهاية السنة الحالية؟».
فرْض عقوبات على 4 مصارف عراقية زاد المخاوف لدى المضاربين من عدم توفّر الدولار
ويحمّل عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، سجاد سالم، بدوره، «الأحزاب الحاكمة وخاصة التابعة للإطار التنسيقي مسؤولية ما يجري جرّاء عدم التزامها بالسياسة الخارجية، وأيضاً اختراقها للمؤسّسات الرسمية وسيطرتها على القرار»، معتبراً أن «ارتفاع الدولار وتشديد الرقابة الأميركية على البنك المركزي، جاء لأن الحكومة الحالية لديها فصائل مسلّحة تهيمن على بعض المؤسّسات الاقتصادية المهمّة في الدولة العراقية». إلّا أن رئيس حركة «حقوق» النيابية، سعود الساعدي، يرى، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الأزمة الحالية لا ترتبط بالمنظومة المالية، وإنّما بقرار سياسي هدفه الضغط على الحكومة الحالية وابتزازها»، مشيراً إلى أن «الجانب الأميركي فَرض إجراءات جديدة تقتضي عدم التعامل مع بعض البنوك العراقية، ما أدى إلى انخفاض كمّية الأموال الآتية من العراق، والتي تودَع لدى الاحتياط الفيدرالي، وبالتالي ارتفع سعر صرف الدولار بسبب قلّة العرض وارتفاع الطلب»، داعياً البرلمان إلى «عقْد جلسة استثنائية لمناقشة موضوع ارتفاع الدولار وفقاً لأحكام المادة 58 أولاً من الدستور، لإيقاف تداعيات الصعود بشكل غير مسبوق».
وفي الاتّجاه نفسه، تَلفت الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، إلى أن «هناك مصارف خاصة لم تلتزم بالضوابط والمعايير حول غسيل الأموال وتهريبها، وبالتالي أصبحت تشكّل خطراً على نظام المدفوعات الأميركي، وكانت هناك تحذيرات مسبقة من الفيدرالي الأميركي بخصوص شركات التحويل التي لم تلتزم بمعاييرها»، مشيرة إلى أنه «بعد فرْض عقوبات على أربعة مصارف عراقية، زادت المخاوف لدى المُضاربين والمستثمرين من عدم توفّر كمّيات كافية من الدولار، فقاموا بالاستحواذ على الدولار بشكل غير شرعي، ما زاد من نسبة الطلب عليه». وتضيف أنه «كلّما ارتفعت نسبة الاحتكارات والاستحواذ على الدولار بطُرق غير قانونية في السوق السوداء، كلّما حقق المحتكرون أرباحاً أكثر. وأصْل قضية الارتفاع هو شراء الدولار خارج نافذة البنك المركزي».