باولا عطية
تشير تقديرات Pricewaterhouse Coopers (PWC) إلى أن الذكاء الاصطناعي سيشكل قوة اقتصادية هائلة في الشرق الأوسط، متوقعاً أن يضيف نحو 320 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي بحلول عام 2030. هذه الطفرة الرقمية تمثل فرصة استراتيجية لدول المنطقة لإعادة هيكلة اقتصاداتها، وتحقيق قفزات نوعية في الإنتاجية والكفاءة التشغيلية.
توزيع المكاسب الاقتصادية
البيانات الصادرة تُظهر أن المكاسب لن تكون متساوية بين الدول. السعودية ستتصدر المشهد بمساهمة تصل إلى 135.2 مليار دولار (12.4%)، تليها الإمارات بـ 96 مليار دولار (13.6%)، ثم مصر بـ 42.7 مليار دولار (7.7%)، فيما ستسهم بقية دول الخليج – البحرين والكويت وقطر وعمان – بنحو 45.9 مليار دولار (8.2%).
هذا التوزيع يعكس حجم الاستثمارات القائمة في البنية التحتية الرقمية واستراتيجيات التحول الرقمي في كل دولة، إضافة إلى اختلاف درجة استعداد القطاعات الاقتصادية لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كيف ستتحقق هذه القيمة الاقتصادية؟
يؤكد خبير التحول الرقمي رامز القارا في حديث إلى”النهار” أن هذه المليارات لن تتدفق على شكل استثمارات مباشرة، بل ستنشأ من تخفيض التكاليف وتحسين الإنتاجية في مختلف القطاعات.
“على سبيل المثال، من المتوقع أن تنخفض كلفة إدارة العمليات الإدارية والأتمتة في المؤسسات الحكومية بما يقارب 30%، وهو ما سيوفر مليارات الدولارات. وفي القطاع الصحي، يتيح الذكاء الاصطناعي تقنيات تشخيصية متقدمة توفر كلف الأطباء والكوادر الصحية، وتسهم في تسريع الخدمات الطبية بكفاءة أكبر”.
كما يبرز دور الذكاء الاصطناعي في القطاع الصناعي وقطاع الطاقة. يضيف القارا: “شركات كبرى مثل أرامكو باتت تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأعطال المحتملة في المعدات، ما يساعد على تجنب خسائر قد تصل إلى ملايين الدولارات يومياً، ويطيل عمر الأصول التشغيلية”.
تحديات سوق العمل: فقدان ووظائف جديدة
رغم الفرص الكبيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، يحذر القارا من أن هذه الثورة التكنولوجية ستؤدي إلى استبدال العديد من الوظائف التقليدية. إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى أن هذه الخسارة ستقابلها فرص عمل جديدة في مجالات تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، تشغيلها، صيانتها، وإدارة بياناتها، إضافة إلى الوظائف القانونية والتنظيمية المرتبطة بوضع التشريعات والسياسات الخاصة باستخدام هذه التقنية.
الأطر التنظيمية واستراتيجيات التحول
تشهد المنطقة العربية حراكاً متسارعاً لوضع إطار تنظيمي متكامل لإدارة البيانات والذكاء الاصطناعي. ففي السعودية، تلعب الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) دوراً محورياً في قيادة هذه الجهود، إلى جانب مبادرات مثل المكتب الوطني لإدارة البيانات (NDOMO)، الذي يتوقع أن يشكل مرجعاً وطنياً لإدارة البيانات وتوجيه استخدامها بما يتماشى مع معايير الأمن السيبراني والتنمية المستدامة.
هل يغير الذكاء الاصطناعي نمط الحياة والعمل؟
يرى القارا أن هذه التحولات قد تقود إلى إعادة هيكلة منظومة العمل التقليدية، مستشهداً بما حدث خلال الثورة الصناعية. “حينها، أدى التقدم التكنولوجي إلى تقليل ساعات العمل وزيادة رفاهية الإنسان. واليوم، قد نشهد نموذجاً مشابهاً، إذ تصبح أيام العمل أقل – ربما أربعة أو ثلاثة أيام أسبوعياً – مع تركيز أكبر على جودة الحياة والإنتاجية الذكية”.
استنتاجات مستقبلية
يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية لدول الشرق الأوسط لتنويع اقتصاداتها وزيادة تنافسيتها عالمياً. غير أن تحقيق هذه الفوائد يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية، التعليم، وإعادة تأهيل القوى العاملة لتتكيف مع التحولات الجديدة. كما يستدعي الأمر تعاوناً وثيقاً بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية لتطوير تشريعات مرنة وتدريب جيل جديد من الكفاءات المتخصصة.
وبينما يبدو الطريق محفوفاً بالتحديات، فإن قدرة المنطقة على تحقيق توازن بين التكنولوجيا والإنسان ستكون العامل الحاسم في تحويل هذه التوقعات إلى واقع اقتصادي ملموس بحلول 2030.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار