حمد الرقعي
خلال الفترة الماضية طالب القاضي الفيدرالي في ولاية تكساس المحامين في القضايا المعروضة لديه أن يوقعوا بأنهم لم يستخدموا الذكاء الاصطناعي لصياغة مذكراتهم دون أن يتحقق الإنسان من دقتها.
من بعده تعهدت صحيفة الفاينانشيال تايمز بأن الذكاء الصناعي لن يكتب أي من صفحاتها …
هذه المواقف و غيرها مما صدر خلال الأيام الماضية و لا يتسع المجال لسردها هنا، هي مواقف قد تجلب الطمأنينة للبعض بأن هناك من يُدرك الخطر القادم و يعمل لكبح جماحه. لكن واقع الحال و من خلال تجاربنا السابقة مع عالم الانترنت و التطور التكنولوجي بشكل عام، لا أرى في مثل هذه المواقف سوى نوع من المكابرة التي لن يتأتى لها الصمود طويلاً أمام الزحف التقني.
لن تكون معركة سهلة و لن تكون سريعة، لأن العدو ليس كينونة أخرى واضحة المعالم، هي معركة بين البشرية من طرف و نجاحاتها من طرف آخر، معركة ستقودها البشرية ضد ما وصلت إليه من ذكاء، أو ما أوصلها إليه ذكائها، لتدخل البشرية صراع من نوع جديد، يختلف عما اعتادته من حروب و نزاعات.
ابتكار الكائن البشري للذكاء الصناعي بمختلف أنواعه، و تماديه في تطويره لدرجة أكسبته القدرة على التعلم الذاتي، و كأن البشرية بهذا تُسلم أقوى أسلحتها لغيرها.
لن نقول بأن الذكاء الصناعي سيسعى لتدمير البشرية و إنهائها، لكن هذا الذكاء مستمد في غالبه من تجارب و ثقافة بشرية، الثقافة التي لم تخلو يوماً منذ نشأتها من السعي إلى السيطرة، سيطرة على الطبيعة، سيطرة على الحيوانات و حتى سيطرة بعض من البشرية على بعضها الآخر. الذكاء الصناعي المستمد من ذكائنا، لن يكون خارج إطار حب السيطرة و السيادة على الآخر. الأمر الذي سيسعى لممارسته على البشرية، و ليس لنا اليوم مقدرة لتصور ردود الفعل التي ستأتي بها البشرية ضد محاولة الذكاء الصناعي فرض سيطرته عليها، ليس لها إلا أن تكون معركة طويلة و مريرة، و من الصعب اليوم تقدير المنتصر فيها، قد تنتصر البشرية في هذه المعركة، لكنه و بلا أدنى شك انتصار سيصحبه العديد من الجراح الغائرة.
تصور سوداوي و قاتم، قد يرفضه البعض دون أن نوجه له كثير لوم. اليوم هناك من يشاركنا مخاوفنا، بل أن البعض يذهب لأكثر من ذلك، لكننا جميعاً نشترك في عدم مقدرتنا على فعل شيء، و لم يعد أمامنا سوى انتظار لحظة المعركة التي ستُثبت عجزنا، عجز لن يكون بأقل من عجزنا أمام جائحة كورونا.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم