فى سياق التحولات الإعلامية المتلاحقة، قدّم الباحث الدكتور منذر علي أحمد دراسة علمية بعنوان «دور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل نظريات الإعلام التقليدي»، تناول فيها أثر الذكاء الاصطناعي والخوارزميات في إعادة صياغة المفاهيم النظرية الكلاسيكية التي شكّلت أساس علم الإعلام لعقود طويلة.
وقد نُشرت هذه الدراسة ضمن كتاب أكاديمي حديث صدر مؤخراً، يوثّق وقائع ملتقى المستقبل الإعلامي الحواري الرابع تحت عنوان «الإعلام والذكاء الاصطناعي: شراكة لصناعة إعلام ذكي»، الذي ضمّ نخبة من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين من مختلف المؤسسات والجامعات.
يُذكر أن الكتاب يحمل رقماً معيارياً علمياً دولياً (ISBN) ورقم إيداع وطني رسمي، ويُعدّ مرجعاً توثيقياً مهماً لأوراق وبحوث الملتقى التي تناولت أحدث الاتجاهات البحثية في العلاقة بين الإعلام والذكاء الاصطناعي.
أكثر قدرة
يؤكد الدكتور منذر في دراسته أن الإعلام لم يعد يمارس دوره التقليدي القائم على التأثير الجماهيري المباشر، بل انتقل بفضل الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة التأثير الذكي الموجَّه، حيث أصبحت الخوارزميات قادرة على تحليل سلوكيات الأفراد وتخصيص الرسائل الإعلامية بما يتناسب مع اهتماماتهم وتوجهاتهم، مما جعل الإعلام أكثر قدرة على تشكيل الوعي الجماهيري وتوجيه الرأي العام بدقة غير مسبوقة.
وتتناول الدراسة ثلاث نظريات إعلامية مركزية هي:
نظرية الحقنة الإعلامية (Hypodermic Needle Theory)،
نظرية صناعة القبول (Manufacturing Consent)،
ونظرية دوامة الصمت (Spiral of Silence)،
وتحلل كيفية تأثر هذه النظريات بموجة الإعلام الجديد المدعوم بالذكاء الاصطناعي، مؤكدة الحاجة إلى إعادة قراءة وتطوير المفاهيم النظرية للإعلام بما يتناسب مع بيئة الاتصال الحديثة.
التاثير التراكمي
ويرى الدكتور منذر أن الذكاء الاصطناعي لم يبدّل أدوات الإعلام فحسب، بل غيّر جوهر نظرياته وآليات تأثيره، إذ أتاح للإعلام ممارسة التأثير التراكمي الخفي عبر توجيه المحتوى وفق خوارزميات دقيقة تُحدّد أولويات الجمهور وتضبط تفاعلاته. كما أشار إلى أن الخوارزميات الحديثة باتت تلعب دوراً في تعزيز أو إضعاف دوامة الصمت، من خلال إنشاء “فقاعات معلوماتية” تحاصر المستخدمين داخل أطر فكرية متشابهة وتقلّل من تنوّع الآراء.
ويخلص البحث إلى أن أهمية هذه الدراسة تكمن في إعادة صياغة النظريات الإعلامية التقليدية بما يتماشى مع التطور التقني الهائل الذي فرضته تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن فهم العلاقة الجديدة بين الإعلام والمجتمع والتكنولوجيا لم يعد خياراً فكرياً بل ضرورة علمية ومجتمعية.
صناعة الوعي المجتمعي
ويختم الدكتور أحمد بحثه بقوله :«الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل أصبح منظومة معرفية متكاملة تُسهم في صناعة الوعي وتوجيه السلوك الإنساني، ما يفرض على الباحثين تطوير أدواتهم النظرية والمنهجية لمواكبة هذا التحول العميق».