راغب ملّي
يشهد الاقتصاد العالمي موجة تحول عميقة، يقودها الذكاء الاصطناعي، تتمثل بتجاوز القيود الزمنية التي حكمت طبيعة العمل والإنتاج طويلاً، ولم يعدّ من الضروري أن تتوقف العمليات بنهاية يوم العمل أو خلال الإجازات، إذ تتيح التقنيات الذكية تشغيل الأنظمة والمهام المختلفة على مدار الساعة من دون انقطاع.
فالذكاء الاصطناعي لا يتقيّد بالاحتياجات الإنسانية مثل النوم، الراحة أو الظروف الشخصية، بل يمكنه العمل من دون توقّف، مما يفتح المجال أمام نموذج اقتصاديّ جديد يعمل باستمرار، ويكسر الحدود التقليدية للزمن والقدرة البشرية. هذا التحوّل لا يقتصر فقط على قطاعات بعينها، بل يمتدّ ليشمل سلاسل الإمداد، الخدمات اللوجستية، الأمن السيبراني، تحليل الأسواق، الرعاية الصحية، وغير ذلك.
العمل لا يتوقف ليلاً
في السابق، كان العمل الإداري أو التحليلي يتوقف مع نهاية يوم العمل، مما يبطّئ من عملية اتخاذ القرار. أما اليوم، فبفضل وكلاء الذكاء الاصطناعي، يمكن مباشرة المهام في أيّ وقت، مثل تحليل البيانات، متابعة حركة السوق، أو جمع معلومات تنافسية. هذه الأنظمة قادرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات خلال الليل، لتكون النتائج جاهزة مع بداية اليوم التالي.
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
وهذا النوع من التشغيل المتواصل لا يوفر فقط الوقت، بل يضاعف من كفاءة القرار ويحدّ من فرص التأخير أو ضياع الفرص، وهو ما كان شائعًا في النماذج التشغيلية التقليدية المعتمدة على الموارد البشرية.
الاستجابة الفورية أصبحت معياراً
مع تغير طبيعة الزمن في بيئة العمل، بدأت توقعات جديدة بالظهور لدى العملاء والمستهلكين. لم يعد مقبولًا الانتظار لساعات للحصول على إجابة أو خدمة. القدرة على الاستجابة الفورية أصبحت جزءًا من جودة الخدمة، وكل دقيقة تأخير قد تُترجم إلى تراجع في رضا العميل أو خسارة فرصة تجارية.
هذا التوجه يتوافق مع استراتيجيات السوق الحديثة التي تسعى إلى تقليص “الكمون” Latency أو الفجوة الزمنية بين الطلب والاستجابة. وكلما اقتربت الشركات من تحقيق هذا المستوى من التفاعل اللحظي، زادت قدرتها التنافسية في سوق تتسم بالتغير المستمر.
إيقاع جديد للأعمال
تُجبر هذه التطورات الشركات على إعادة النظر في أساليب العمل والإدارة. الاجتماعات الأسبوعية أو الخطط الشهرية لم تعد كافية لمواكبة الوتيرة الجديدة. المطلوب اليوم هو أنماط تواصل مرنة، تعتمد على أدوات غير متزامنة وفرق عمل متكاملة مع الأنظمة الذكية.
الأمر لا يتعلق فقط باستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ، بل بتوظيفه كأداة تنفيذية مستمرة تُفعّل القرارات وتُترجم البيانات إلى أفعال في الوقت الحقيقي.
الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف مفاهيم العمل والزمن في بيئة الاقتصاد الحديث. ومع بزوغ عصر التشغيل الدائم، تصبح قدرة الشركات على التكيّف مع هذا النموذج عاملًا حاسماً في بقائها وتفوقها. فالمستقبل لم يعد ينتظر أحداً، ومن لا يعمل باستمرار، سيتأخر كثيراً في سباق لا يتوقف.
أخبار سوريا الوطن١-النهار