عبدالهادي الراجح
في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، مرت الذكرى الخامسة والسبعون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر في العاشر من ديسمبر عام 1948م، أي بعد تأسيس الكيان الصهيوني بعام وبضعة أشهر.
ذلك الإعلان، لو طُبِّق دون خروقات من القائمين عليه، لما كان العالم اليوم على هيئة شريعة الغاب التي نراها.
والغريب أن حقوق الإنسان، منذ حادثة 11 سبتمبر عام 2001م المفتعلة، أصبحت خارج كل المعادلات القانونية. للأسف، باتت العصا الغليظة بيد بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تُستخدم لضرب وتدمير كل من يعارض سياساتها، لا سيما في دول العالم النامي.
ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا العام جاءت بعد حدث مزلزل، وهو الاحتلال المتواصل لسوريا، وإسقاط نظامها على يد العصابات الصهيونية، بقيادة مجموعة أشرار صنِّفوا أمميًا كإرهابيين. وجاء هذا الاحتلال بدعم من الولايات المتحدة وكيانها الصهيوني، إضافة إلى أدواتها كتركيا والجماعات الإرهابية التي تعمل وفق أوامرها.
بدأ العدوان الثلاثي على سوريا بوضوح:
الكيان الصهيوني: دمر معظم أسلحة الجيش العربي السوري.
تركيا: سبق لها أن نهبت مصانع حلب خلال ما يسمى “الربيع العربي”.
الجماعات الإرهابية: كانت رأس الحربة في تنفيذ هذا المخطط.
والأدهى من ذلك، هو ما نشهده من دور “كتبة التدخل السريع”، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ظهر كثيرون ممن لم يُسمع لهم صوت في السابق يعارضون أي سياسة. الآن، وبعد انهيار سوريا، أصبحوا فجأة محللين وثوريين، رغم أن بعضهم كان سابقًا مجرد “مخبر” لرؤسائه.
وعندما يتحدث أحد بخوف على سوريا وأمة العرب، تجد هؤلاء يسلّون سيوفهم الخشبية، ويكيلون التهم الرخيصة: “شبيحة الأسد!”، “أنت مع النظام!” وغيرها من الاتهامات. ضاعت لغة العقل والمنطق، وأصبح الصوت العالي هو سيد الموقف.
حين تشرح لصديق أو صديقة أن الخوف ليس على النظام بل على سوريا الوطن، وعلى أمنها القومي الذي هو جزء لا يتجزأ من أمننا العربي، تكتشف أن المنطق غائب تمامًا. فالنظام زائل، أما الشعب فهو الباقي، كما كان يقول الزعيم جمال عبد الناصر – رحمه الله – عندما كانت تُكال إليه التهم بالسعي لإقامة إمبراطورية مصرية.
والأغرب في عالم اليوم، أن تنظيم “جبهة النصرة”، المصنَّف دوليًا كمنظمة إرهابية وجزء من “داعش”، تتحاور معه الولايات المتحدة، التي سبق أن أعلنت مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن قائده الإرهابي “أبو محمد الجولاني”. الآن، أصبح الجولاني يحمل اسمًا جديدًا، وتنظيمه يُصوَّر كحركة تحرر وطني، رغم أن داعميه هم الكيان الصهيوني وتركيا وأمريكا.
يتزامن هذا كله مع الذكرى الأممية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي غُيّب إعلاميًا منذ عام 2001، عندما كشّرت أمريكا – الشيطان الأكبر – عن أنيابها. انتهى الإعلان فعليًا مع حرب الإبادة على غزة الصامدة وجنوب لبنان المقاوم، حيث باتت الحقائق على الأرض تصدم كل من يحاول إنكارها.
إذا، أول من انتهك حقوق الإنسان هي أمريكا نفسها، التي كان لها الدور الأكبر في صياغة هذا الإعلان، بالإضافة إلى الكيان الصهيوني الذي أنشأته الأمم المتحدة.
وأنا، كاتب هذه السطور، لا أهدف من حديثي إلا الخير لشعبنا العربي في سوريا، بغض النظر عن الرأي الشخصي بالنظام. فالمصلحة هي في الحفاظ على سوريا موحدة، بأرضها وشعبها، لأن الدول التي دعمت ما يُسمى “الثورة” لم تكن جمعيات خيرية، بل دولًا استعمارية لها مصالحها.
تركيا، مثل أمريكا والكيان الصهيوني، قوة احتلال واغتصاب للأرض، ولكن ثقتنا كبيرة بوعي الشعب السوري، الذي أثبت عبر التاريخ أنه من أكثر الشعوب العربية وعيًا سياسيًا.
ويبقى السؤال: متى سنرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المكون من 31 بندًا، يتحول إلى دستور أممي حقيقي يحفظ حقوق الإنسان؟ متى سنتخلص من الاحتلالات الأجنبية تحت شعارات مزيفة كـ”الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” التي تروّج لها الصهيونية وأمريكا؟
لو كانت هناك حقوق حقيقية للإنسان، لما كان في وطننا العربي كيان لقيط مثل إسرائيل.
لكن الإمبريالية والصهيونية، بدعم من الماسونية العالمية، أرادت إعلانًا بلا مضمون، لتحقيق مصالحها. وما نراه اليوم دليل واضح لا يحتاج إلى دليل.
ولا عزاء للصامتين.
(اخبار سورية الوطن 1-السوسنة)