علي عبود
قد يستغرب الكثيرون الحديث عن أشخاص يُروّجون للرأي الأمريكي علانية في سورية، ونحن هنا لانتحدث عن أحزاب معارضة وإنما عن آراء يتابعها البعض عمدا أو مصادفة على صفحات التواصل الاجتماعي وتحديداً الفيس بوك!
والحق يُقال إن الترويج للرواية الأمريكية في سورية ليس جديدا ولا مستجدا، فهذا الرأي متداول وخاصة في الإجتماعات الخاصة منذ خمسينات القرن الماضي، لكنه خرج في العقد الأخير، وتحديدا منذ “ربيع” دمشق أولا، ثم “الربيع العربي” ثانيا إلى العلن سواء في الإعلام الورقي الخارجي أو الألكتروني.
ولكي نعطي فكرة مختصرة عن الرأي الأمريكي الذي يحظى بتأييد شريحة من السوريين ينتمون إلى تيارات مختلفة سواء كانت ساذجة أو “مثقفة” فإننا نعيد ماقالته الناطقة الإعلامية للبنتاغون في عام 2011 أي العام الذي وصل فيه “الربيع العربي” إلى سورية إنطلاقا من درعا، أعلنتها أمريكا عبر ناطقتها من مقر وزارة الدفاع : المظاهرات ستتوقف فورا في حال طرد “النظام” المنظمات “الإرهابية” من سورية وفك تحالفه مع إيران، وتوقف عن دعم المقاومة اللبنانية وأبرم معاهدة سلام مع “إسرائيل”.
كما نرى المطالب الأمريكية من سورية واضحة جدا وتحولت إلى إنذار للرئيس بشار الأسد نقله وزير خارجيتها السابق كولن بأول بعد احتلال بلاده للعراق.
وبما أن المطالب الأمريكية من سورية بمنتهى الوضوح منذ عام 2003 على الأقل، فإن أيّ “تماهي” مع هذه المطالب يعني أننا أمام أفراد يُروّجون علنا، بل وبوقاحة لاتخلو من الإستفزاز للرأي الأمريكي في داخل سورية!
يتذاكى أصحاب الرأي الأمريكي إلى حد استغباء ملايين السوريين، بالترويج لمقولة أن سبب البلاء أوالكوارث التي تسببت بالإحتلالين الأمريكي والتركي لمساحات كبيرة من سورية وبالحصار الاقتصادي هو وقوف سورية إلى جانب فصائل المقاومة التي تحارب “إسرائيل”، بل ان بعضهم يدعو علانية لخروج “المحتلين” الروسي والإيراني من الأراضي السورية، دون أيّ ذكر للمحتلين الفعليين الأمريكي والتركي، أو إدانة أي حركات إنفصالية أو إرهابية في سورية !!
تابعت بالمصادفة البحتة حوارا خاصا بين مجموعة من “السوريين” في جلسة عائلية حميمية بدأت بالتذمر من الأوضاع المعيشية المتردية لتنتهي بتحميل مسؤولية هذه الأوضاع لـ “النظام” الذي اختار التحالف مع إيران، ودعم المقاومة اللبنانية، والإستعانة بروسيا لمحاربة الإرهابيين، وتساءلوا بسذاجة: لماذا لم تُبرم سورية اتفاق سلام مع “اسرائيل”كما فعلت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية كي يعيش السوريون بـ “أمان واستقرار” ..؟
وعندما قال أحد الحضور ان المقاومة اللبنانية انتصرت على “إسرائيل” في عام 2006 رد الحاضرون: هذه أكذوبة المقاومة اللبنانية متعاونة مع “إسرائيل”!!
قد يستغرب الكثيرون هذا القول، ولكن ماذا يختلف هؤلاء عن الذين يدعون جهارا إلى “طرد” الروسي وحزب الله من سورية ؟
لايمكن وصف هؤلاء سوى بالمروجين مداورة للرأي الأمريكي في سورية والتي أعلنته الناطقة الأمريكية باسم البنتاغون منذ عام 2011: تحالفوا مع“إسرائيل” وتنتهي كل أزماتكم السياسية والأمنية والإقتصادية وتعيشون حياة رفاه وازدهار..الخ!!.
المريح جدا عند التعاطي مع الأمريكي أنه واضح ومباشر إلى حد الوقاحة، وبالتالي فهو يُحرج المروجين له في سورية، مع إن معظمهم وقح أيضا إلى حد ان الإحراج آخر اهتماماته، لقد كرر الأمريكيون هدفهم الوحيد من حربهم الإرهابية على سورية وتحديدا على لسان سفيرهم السابق في دمشق روبرت فورد: “لا حل لمشكلة داعش طالما ظل الأسد رئيسا”!
وكان ملفتا جدا ماكشفه فورد مرارا وتكرارا: “ليس التدخل الروسي، أو إسقاط تركيا لطائرة روسية الذي غيّر اللعبة في سورية بل التدخل الإيراني وإرسال حزب الله اللبناني إلى القصير ولولا ذلك لكان انتهى حكم بشار الأسد”!
كما تلاحظون فإننا يمكن الإستنتاج بأن الرأي الأمريكي في مسار ماحدث في سورية أتى مبكرا جدا، وبالتالي فإن بعض السوريين “الناقمين ”على إيران والمقاومة اللبنانية ، ومعهما روسيا ، والمطالبين بطردهما باعتبارهما قوى إحتلال، هم يتماهون تماما مع “إسرائيل” وأمريكا، فهل هذا التماهي سذاجة ام خدمة مجانية أم.. ماذا؟؟!!
وما يطالب به المروّجون للرأي الأمريكي الآن، تطالب به واشنطن منذ عام 2013 أي “انسحاب عناصر حزب الله اللبناني فورا من سورية”!
أما بالنسبة للمطالبة بانسحاب الروس، فإن السؤال: ومتى كان الوجود الروسي مستجدا في سورية؟
المستشارون الروس في سورية منذ بداية سبعينات القرن الماضي، وكانوا دوما الصديق والحليف والمزود الرئيسي إن لم يكن الوحيد للجيش السوري بالسلاح والعتاد، ولا بديل له على الإطلاق إلا بخيار الإستسلام للأمريكان والعدو.. فهل هذا هو المطلوب مقابل “وهم الاستقرار والإزدهار”ّ!؟
نعم، قالتها أمريكا بصراحة: “لم نكن نتصور أن إيران وروسيا سترسلان قوات مباشرة إلى ميدان القتال.. لم نكن نتصور أن حزب الله سيتدخل مباشرة.. لم نكن نتصور أن الحكومة الروسية سترسل حوالى 40 أو 50 مقاتلة مباشرة إلى الميدان ، تحليلاتنا كانت خاطئة بشكل كبير”!!
ونعم، من يستمر بالمطالبة بخروج إيران والروس والمقاومة اللبنانية من سورية كأنه يريد إعادة عقارب الساعة إلى عام 2012 لتهيئة الظروف لإسقاط “النظام” وإلحاق سورية بالهيمنة الأمريكية كما حصل مع دول وازنة ومهمة في المنطقة، وبالتالي هم ليسوا سوى ناطقين ومروجين للرأي الأمريكي في سورية!!
(موقع سيرياهوم نيوز-2)