الدكتور خيام الزعبي
أثار الإنحراف التركي المفاجئ نحو دمشق والحديث عن تفاهمات سياسية بشأن الأزمة السورية سؤالاً مهم مفاده: هل ثمة حوار سياسي وشيك يجمع دمشق وأنقرة على مائدة تفاوض واحدة؟ هذا السؤال وبرغم صعوبة التكهن بإجابته، بات مهماً وضرورياً خصوصاً بعد أن أبدت تركيا تقديم تنازلات لدمشق.
هنا لا بد من التذكير بأن تركيا قبل الأزمة كانت حليفاً قوياً لدمشق خاصة على المستوى الاقتصادي والسياسي، وكانت تربط الرئيس التركي علاقة صداقة طيبة مع الرئيس السوري، ولكن العلاقات توترت وانقلبت رأس على عقل مع بدء الأزمة و تورط تركيا في دعم التنظيمات المسلحة بعد ثبوت أدلة قاطعة ووثائق.
في ظل التطورات الجارية في المنطقة برزت خلال الأسابيع الماضية مؤشرات تقارب بين سورية وتركيا بعد اللقاء الذي عقد في موسكو بين وزراء الدفاع لكل من روسيا وتركيا وسورية، فتركيا تدرك تماماً أن الدخول الى المرحلة القادمة يتطلب المرونة وتقديم بعض التنازلات ويبدو أن هذه القناعة هي التي عبر عنها الرئيس التركي، إن أنقرة تتوقع حدوث تطورات “في غاية الأهمية” خلال المرحلة المقبلة بشأن العلاقات مع دمشق.
من الواضح أن الرئيس الأسد بعث برسائل ساخنة الى تركيا على مسار التقارب مع تركيا: اللقاءات يجب أن تكون مبنية على إنهاء الاحتلال و الانسحاب الكامل للقوات التركية ومرتزقتها من الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن، ووقف الارهاب التي تستخدمه بكافة الوسائل والإمكانيات، فكلمات وأحاديث الرئيس الأسد جاءت لتؤكد ان سورية قادرة على استعادة وإسترداد جميع المناطق القابعة تحت سيطرة تركيا والقوى المتطرفة ومواجهة التحديات.
هناك خصم مشترك بين البلدين، يتمثل بالمقاتلين الاتراك الذين يتلقون دعماً كبيراً من أمريكا ، فيما ترى فيهم تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها منذ سنوات طويلة، لذلك يعرف الرئيس التركي أنه في ورطة كبيرة ومن هنا لا بد من التقارب مع دمشق، وفي نفس الوقت يدرك عواقب فشله في مغامرة غزو سورية، ويعرف العواقب الوخيمة التي سترتد على قواته المتواجدة فيها وفي المنطقة التي تعددت فيها مغامراته اللامسؤولة ، بالتالي سيبتلع أردوغان مرغما ما تلقاه من هزائم حتى الآن.
إن إرتداد الإرهاب على الدول التي دعمته وأزمة اللاجئين وتصاعد وتيرة التحالف السوري- الروسي بالإضافة الى صمود سورية وحلفائها لسنوات عديدة هي سبب التحولات الحاصلة اليوم في المواقف الدولية تجاه سورية، وأمام هذه التحولات والتغيرات، نحن اليوم أمام إنعطافة حادة في مسار الحرب على سورية، أبرز ما فيها أن كل الأطراف أصبحت مقتنعة أنه لا يمكن لطرف التفرد في ترتيب واقعه الإفتراضي كما يريد، بدليل تغيير الخطاب التركي في إعطاء دور أكبر لروسيا في إيجاد مخرج للأزمة، وإعتراف أنقرة بدور موسكو الإيجابي تجاه المسألة السورية .
في هذا السياق نحن مع الجلوس على طاولة المفاوضات ولكن على أساس إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السوري، ووقف دعم الإرهاب، فأي مفاوضات او حوارات بدون تنفيذ هذه الشروط لا جدوى منها وليس لها اي مدلول ولا تعكس حسن النوايا لدى تركيا لإنهاء الحرب على سورية، بل إنها عملية مراوغة تحاول أنقرة وحلفائها من خلالها تحقيق مكاسب لم تستطع ان تحققها على الأرض ميدانياً وعسكرياً.
مجملاً…..الكل يبذل الجهود في المشاورات والمباحثات الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي في سورية، لذلك أرى أن هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على تضييق الأزمة السورية، خاصة أن هناك دول غربية بدأت تعيد حساباتها وتغير موقفها تجاه الأزمة السورية.
وإستكمالاً لكل ما سبق نقول: إن كل هذه المعطيات تشير إلى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، ما يعني نتائج جديدة وإيجابية لبعض دول الإقليم في المنطقة وعلى الأخص سورية، وفي الختام بقي أن نترقب إعلان الإنتصار الكامل للشعب السوري في مراحل لم تعد ببعيدة، وبعد هذه السنوات تستحقّ دمشق تحية احترام وهي تخوض المعركة عن كلّ الأمة العربية والذي ستنعكس آثارها بطبيعة الحال على منطقة الشرق الأوسط وربما على الحالة الدولية.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم