أن تبتلع السّلطة التي يتزعّمها الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس منظمة التحرير الفلسطينيّة وتُحوّلها وجميع مؤسّساتها إلى أحد دوائرها، فهذا أمرٌ مُتوقّع وليس له أيّ قيمة قانونيّة أو تشريعيّة، لأن الرئيس عبّاس والمجموعة المُحيطة به، تجاوزوا المنظّمة مُنذ سنوات، وسحَبوا اعتِرافهم بها بطُرقٍ عمليّة، عندما حوّلوها إلى “خيال مآته” أو جثّة هامدة.
الرئيس عبّاس لا يكن أيّ ود للمنظّمة من الأساس فيما يبدو، ليس لأنّه يكره كلمة “تحرير” العُنصر الأهم في اسمها، وإنّما أيضًا لأنّه لا يكن أيّ ود لإرثها القتالي العريق، وما يتضمّنه من كلماتٍ ليست واردة أو بالأحرى مشطوبة، وغير موجودة في قاموسه السّياسي الحالي، مِثل التحرير، والشّهداء، ومُقاومة الاحتِلال، وحقّ العودة، والميثاق القديم أو المُعدّل، والمجلس الوطني، والمجلس التشريعي، ولهذا لا نستبعد أن يُلغي قراره القادم كُل هذا الإرث دُفعةً واحدة، أو بالتّقسيط، بِما في ذلك السّلطة نفسها ويجلس على أطلالها، إذا مدّ اللهُ في عُمره.
منظّمة التحرير انتهت وفقدت كُل معانيها، ودلالاتها، مُنذ أن جرى الاعتِراف بدولة “إسرائيل”، ووقّعت قِيادتها اتّفاق أوسلو باسمها، وتعهّدت بتشكيل قوّات أمنيّة لتعمل كأداة لحِماية الاحتِلال ومُستوطنيه، أو بالأحرى كأحد مؤسّساته الأمنيّة، فهذه المنظمة تأسّست من أجل التحرير وليس حِماية الاحتِلال وتكريسه وتشريعه.
ردّة الفِعل الضّعيفة، والمُؤسّفة، على هذا القرار الذي يُجَسِّد الواقع الفِلسطيني السّيء، لم تَعُد تُفاجئنا، لأن هذه الفصائل التي كانت تدّعي أنها تنتمي لمنظمة التحرير وأحد أعمدة إرثها المُقاوم، ولم يفز مُعظمها بأيّ مقعد في المجلس التشريعي، تعتاش على فُتات المُخصّصات الشهريّة التي تصرفها لها السّلطة، ولهذا سارعت للمُشاركة في المجلس المركزي خوفًا من انقِطاعها، ولعلّ اعتِراف السيّد عزام الأحمد، أحد المُقرّبين للرئيس عبّاس بأنّ هذه الفصائل لا تُمَثّل إلا أقل من 2 بالمِئة من الشعب الفلسطيني هو أدق توصيف لها.
حركة “حماس” التي كانت من أعلى الأصوات المُعارضة لهذا القرار بتهميش منظّمة التحرير التي تحمل عُضويّتها، تتحمّل مسؤوليّة كُبرى عن هذا التّهميش، لأنّها ساهمت فيه بشَكلٍ غير مُباشر، عندما وثَقِتْ في السّلطة وقِيادتها، ووقّعت معها اتّفاقات مُصالحة، وتجاوزت بذلك المنظّمة عمليًّا، وقبلت المُشاركة في المجلس التشريعي وانتِخاباته، بَل وشكّلت حُكومة تحت مِظلّة أوسلو.
الرئيس عبّاس ألغى منظّمة التحرير والثورة الفلسطينيّة، وإرث المُقاومة، وتنازل عن حقّ العودة عمليًّا، ولم يبق شيء يُمكن أن يتنازل عنه، فقد أنجز كُل ما هو مطلوبٌ منه وأكثر، ورغم ذلك وبعد كُل هذه الخدمات، يرفض نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي الجُلوس معه، إنها نهايةٌ مأساويّة بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
عزاؤنا أن الشّعب الفلسطيني لم يَعُد يعترف فِعليًّا بهذه السّلطة، ولا برئيسها، ولا بمُؤسّساتها، ويعيش حِراكًا قويًّا لخلق البدائل، والعودة إلى ينابيع المُقاومة للاحتِلال مجددًا وبشَكلٍ أكثر قوّةً، ولعلّ عودة كتائب شُهداء الأقصى الفتحاويّة مجددًا لأعمال المُقاومة انطِلاقًا من نابلس وجنين وقريبًا من كُل مناطق الضفّة، وتصدّيها للمُستوطنين والانتِقام لضحايا جرائمهم هو مبعث الأمل والتّفاؤل للملايين من أبناء الشّعب الفلسطيني، وليفعل الرئيس عبّاس ما يشاء، فمن يتذكّر “روابط القرى” وسقطاتها وتعاونها مع مشاريع الاحتِلال؟
سيرياهوم نيوز 6 رأي اليوم