| المحامي:ياسين زمام
— تنص دساتير كل البلدان على ضرورة أن يتقاضى العاملون والموظفون أجورهم ، وكذلك ينص القانون ، كما في قانون الموظفين أو قانون العمل …
— إذن فإن الأجر اليومي أو الراتب الشهري أو المعاش هو حق دستوري قانوني بامتياز ، والعلة أن العامل والموظف كائن حي وإنسان ومواطن لابد من المحافظة على حقوقه وأولها حقه في العيش بكرامة وكفاية ، وهذا مبدأ عام من المبادئ الأساسية التي تستند إليها الدساتير ومن بعدها القوانين لتكريس هذا الحق وإيجاد النصوص التي تحميه وتبعث الحياة في أوصاله …فلاعيش للعامل والموظف دون أجر، وكذلك فإن حياة المجتمعات ومصالحها ترتبط بالعمل والعمال والموظفين ، حتى تستمر وتيرة الإنتاج خدمة للإنسان في كل شؤونه …
— إذاً فالمسوغ القانوني لتقاضي الأجر والراتب ، والذي قدمنا يرتكز على مسلمتين :
أولاهما : مصلحة المجتمع في دوام الإنتاج بأنواعه لارتكازه على العمل والعاملين …
والثانية : بداهة أن العامل يعتمد على أجره أو مرتبه في حياته ولا يؤدي عمله دون أجر …وهذا وذاك دفع بدساتير الأمم كلها للنص على مبدئية الأجر وضرورته وحمايته ، واستندت قوانين العمل والتوظيف على هذه المبادئ في النص عليه وتقديره والمحافظة على سويته …
— ولكن كيف يجري تقدير الأجر أو الراتب أو المرتب الشهري او المعاش وفق التسميات المتبعة ومهما كانت …
ولتقدير الأجر أو المرتب كان لابد من النص على ساعات العمل ، والتي يتاح فيها للعامل أن يختص بالوقت الأطول لمعيشته وأسرته وقضاء أوقات الراحة المناسبة والإجازات السنوية التي تجدد له نشاطه وتضمن استقراره واستمراره، وقد سارت العادة أن يكون متوسط العمل سبع ساعات قد تزيد أو تنقص قليلا تبعا لمشقة العمل ومصلحة العامل والإنتاج أيضا …
ويؤخذ بعين الاعتبار أن العامل لم يعد قادرا على أداء عمل آخر ، وإلا كان ذلك على حساب راحته واستعداده للعمل الأساسي المسند إليه في المؤسسة أو المصلحة التي يعمل بها …وإلا ساءت أحواله وضعف إنتاجه … والقانون يمنع على الموظف أن يعمل في مجال آخر ، ليتناول الأجر حق احتباسه ومنعه من العمل الإضافي ولمصلحة
عمله …
إذاً لابد من حماية العامل من الإجهاد غير المناسب والمنعكس على سلامته من جهة وعلى مصلحة العمل الأساسي المسند إليه ، ولا يكون ذلك إلا بمنحه الأجر المناسب والكافي لمعيشته وإلا سوف تدفعه الضرورة لأداء عمل إضافي مجهد له ومخل في مصلحة عمله ومخالف للقانون …
— ويقدر الأجر تبعا لمتطلبات العيش اللائق الكريم لإنسان في الحد الأدنى الذي لايجوز أن تهبط الأجور دونه ، أخذا بعين الاعتبار الطعام والكساء والدواء والسكن بما في ذلك لوازم السكن من ماء وكهرباء وتدفئة ومصاريف الانتقال واللوازم الأخرى ، يضاف إليها ظروف العمل من حيث تأثيره على صحة العامل والجهد المبذول والعمل المسند للعامل ودرجة التعليم والمؤهلات والمردود المترتب على العمل ، وهذا ماتضعه لجان متخصصة يمثل فيها العمال ، والجهات العامة والخاصة صاحبة الأعمال والسلطة التشريعية والتنفيذية …
— والأهم أن لاتنقص الاجور المقدرة مع تقدم الزمن ولأي سبب كالتضخم النقدي وانخفاض قيمة النقد وغلاء الاسعار ، ويعالج ذلك عن طريق لجان وهيئات دائمة لمراقبة مسوغات رفع الأجور الى المستوى الذي يحافظ على الأسس التي قدرت الأجور نسبة لها ويؤدى ذلك سنويا وبدون ضجة إعلامية ساذجة …
— ومن منعكسات نقص الأجور اضطراب حياة العاملين وانصرافهم إلى الانخراط في أعمال أخرى إضافية وإهمال أعمالهم الاساسية المسندة إليهم ، وإصابتهم بالفقر والعوز في متابعة عيشهم وأسرهم ، وكذلك يدفع تدني الأجور إلى الغش في العمل وسرقة المنتجات ، وفي مجال الوظيفة التقصير وتقاضي الرشاوى ، وفي حال التفاقم الغياب عن العمل والإهمال والاستقالة وترك العمل ، وما إلى ذلك من مضاعفات ….
— ولما كان قطاع العاملين هو الاوسع والأساسي في كل بلد فإن اضطراب العمالة سوف يؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات ، وتفشي الكوارث الاقتصادية والاجتماعية حتى والسياسية …
— من هنا نعرج على واقع العمالة والوظيفة والأجور والرواتب في مجتمعنا السوري في الفترة التي نعيش ، وضرورة المعالجة حفاظا على مصالح الموظفين والعمال والمجتمع والدولة كلها …وأضرب أمثلة شخصية من الواقع :
في العام / ١٩٧٠ كنت برتبة ملازم أول في الشرطة ، وكان راتبي / ٤٥٠ / ل.س كان هذا الراتب يشتري / ١١٠ / كغ لحمة خروف …قيمتها الآن حوالي / أربع ملايين ونصف ليرة سورية / ل.س ، عندما تقاعدت من مهنة المحاماة لأتقاضى أقل راتب تقاعدي للمحامين وفي عام ٢٠٠٨ / كان راتبي التقاعدي من المهنة / ٢٥٠٠٠/ ل.س قيمتها بالدولار الامريكي آنذاك / ٥٠٠ / دولار …الآن راتبي التقاعدي من المهنة حوالي / ١٠٠٠٠٠ / قيمتها حوالي خمسة عشر دولارا ….وبالقياس مع الأجور والرواتب نكون أمام كارثة في كل بيت وكل موقع عمل ولكل شخص ، وهذا ينعكس على مصلحة عموم الشعب وعموم مؤسسات الدولة ، ولا يجوز استمراره بحال ولا يقبل أي عذر في عدم المعالجة ، ونتج ذلك بالطبع كل الآثار السلببية المدمرة للمجتمع والدولة ، والمعالجة ضرورية لإعادة الرواتب والأجور إلى حدودها الطبيعية المناسبة …
—وأرى أن الحلول ممكنة ، ولكن في ظل معالجة شاملة لكل الأوضاع التي يمر فيها الوطن السوري وعلى مختلف الصعد ، والنتائج كارثية في هذه اللحظة وسوف تتفاقم في كل يوم تأخير مهددة كيان الدولة من شعب وسلطة وأرض ، وحاضر ومستقبل …
— نناشد يد الإصلاح الحريصة على مصالح الوطن أن تبادر فورا ودون تأخير لمعالجة هذا الخلل المحوري والأساسي والبنيوي ، ولاتفيد الحلول الجزئية والإعلامية ….نأمل المعالجة الشاملة والموضوعية لمصلحة الوطن والمواطنين عموما …!
(سيرياهوم نيوز3-صفحة الكاتب)