الحرب السعوديّة على لبنان صارت أكثر وضوحاً. إما أن يكون خاضعاً لها أو لا يكون. هذه المعادلة التي أرساها محمد بن سلمان بدأت تترجم بمزيد من الضغوط. منع دخول الصادرات الزراعية اللبنانية هو بهذا المعنى أحد تجلّيات هذا الضغط، بصرف النظر عن الحجّة. لهذا يبدو أن تسخير سعد الحريري كلّ طاقته وعلاقاته في سبيل الرضى السلماني لن يُصرف سعودياً. هناك، صار الجوع في لبنان واحدةً من وسائل الضغط السياسية
الأغرب، مسارعة دول مجلس التعاون الخليجي، عُمان والإمارات والكويت والبحرين، إلى دعم القرار السعودي، الذي يمنع مرور البضائع اللبنانية إليها. المسارعة إلى إصدار بيانات التأييد توحي بأن هذه الدولة تبارك لشقيقتها تمكنها من تحقيق نصر عسكري باهر في اليمن أو في أي ساحة أخرى، علماً بأن هذه الدول نفسها لم يسبق أن قطعت علاقاتها مع أي دولة، حتى لو كانت تصنفها منطلقاً لعمليات التهريب.
غادة عون: منع مدّعٍ عام من التحقيق لم يخدش شعور أحد
الأكيد أن السعودية لم تربح في أي حرب، لكن إجراءها الأخير معطوفاً على سياق التعامل السعودي مع لبنان، يوحي بأن القيادة السعودية قررت إعلان الحرب على لبنان. هي تدرك جيداً أنه في ظل الانهيار المستمر منذ أكثر من عام، فإن الصادرات اللبنانية تشكل أحد متنفّسات الاقتصاد اللبناني، وهي بدلاً من أن تعمد إلى مساعدته، قررت منعه من التنفس. باختصار، القيادة السعودية لم تعد تتفرج على اللبنانيين يموتون من الجوع، من جراء سياسات الفساد التي كانت تباركها وتساهم بها في لبنان، بل تحوّلت إلى أحد مسببات هذا الجوع. بالنسبة إليها، لبنان خرج من يدها، ولم تعد تهتم لأمره، بدلالة رفض المسؤولين السعوديين مجرد مناقشة الأزمة اللبنانية مع زوارها الفرنسيين أو الروس، أضف إلى ذلك ما قاله وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لمسؤول عربي، عن رفض مساعدة لبنان، لأن اللبنانيين يرفضون مساعدة أنفسهم.
مصادر مسؤولة رأت أن الخطوة السعودية لم تكن مفاجئة، فالنفَس التصعيدي تجاه لبنان صار واضحاً للعيان، حيث بدأت السلطات التضييق على اللبنانيين بشكل غير معلن. ولذلك، تتوقع المصادر أن تستكمل السعودية إجراءاتها بمزيد من القرارات التي تصرّ فيها على تعميق جراح اللبنانيين، واضعة نصب عينيها مواجهة «حزب الله» وإحراج سعد الحريري لإخراجه.
في سياق متصل، كان البطريرك الماروني، بشارة الراعي، يسارع إلى الاصطفاف إلى جانب المستنكرين للجريمة التي تتعرّض لها السعودية، متناسياً أن لبنان نفسه يشرب من الكأس نفسها. والسلطات اللبنانية تقوم بشكل دائم بضبط شحنات مخدّرات مهرّبة إلى لبنان أو بالعكس. طمأن الراعي، في عظة الأحد، أمس، إلى أنه اتصل بالسفير السعودي وليد البخاري لإبلاغه استنكاره ما حصل. وقال إنه تمنّى أن «تأخذ المملكة في الاعتبار أوضاع لبنان والمزارعين الشرفاء». الراعي تبنّى الخطاب السعودي الذي يحمّل المسؤوليّة للسلطة اللبنانية «التي عليها أن تمنع وتحارب مثل هذه الإرساليات إلى المملكة».
الراعي، الحريص كل أحد على إجراء جولة أفق يتناول فيها كل الأحداث من موقعه المستجدّ، لم يفُته التعبير عن موقفه المؤيد لتجار الهيكل، في القطاع المصرفي تحديداً. وبعد رسمه خطاً أحمر يحول دون محاسبة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قرر الراعي دعم صاحب شركة مكتّف للصيرفة ونقل الأموال، ميشال مكتّف، في مواجهة القضاء. وعبّر البطريرك عن ذهوله من مشاهدة «واقِعة قضائيّة لا تَمُتُّ بصلةٍ إلى الحضارةِ القضائيّة ولا إلى تقاليد القضاءِ اللبنانيّ منذ أن وُجِد»، معتبراً أنّ «ما جرى يشوّه وجه القاضي النزيه والحرّ من أيّ انتماء، ذي الهيبة التي تفرض احترامها واحترام العدالة وقوانينها».
السعودية تضع نصب عينيها مواجهة حزب الله وإحراج سعد الحريري لإخراجه
وعلى المنوال نفسه، غزل مطران بيروت للأرثوذكس إلياس عودة، فقال في أحد الشعانين، إنه «بعد تدمير سمعة لبنان المالية والسياسية والاجتماعية، ها نحن نشهد تدمير المؤسسات والقضاء عليها، وآخرها السلطة القضائية التي هي حصن لبنان الأخير والجيش الذي يدافع بنقاء ومحبة وتضحية».
وسأل عودة «هل يجوز أن يتمرّد قاض على القانون وهو مؤتمن على تطبيقه؟ هل يجوز أن يقتحم قاضٍ أملاكاً خاصة من دون مسوّغ قانونيّ؟ هل يجوز أن يخرج قاض عن القانون؟».
واستغرب عودة غياب مجلس النواب، سائلاً: «أين مجلس النواب من كل ما يجري؟ أليس من واجبه القيام بما يلجم هذه التجاوزات؟ وعلى القاضي أن يتحلّى بالحكمة والصبر، لا أن ينقاد بانفعاله ويتصرّف بشعبوية لا تقود إلا الى الفوضى وقسمة الشعب».
ومساءً، ردّت القاضية غادة عون على متّهميها بمخالفة القانون، وقالت، عبر «تويتر»: «للتذكير فقط، لمن لم يقرأ قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإنّ المادة ٢٤ تعطي الحقّ للنائب العام في الاستقصاء وجمع الأدلّة والتحقيق والمداهمة عند الاقتضاء لضبط الأدلّة التي يحاول المشتبه فيهم إخفاءها. هذا من صلب مهمّات النيابة العامة وإلا لا يمكن كشف أيّ جريمة».
وفي ما بدا رداً على الراعي وعودة، أشارت عون إلى أنّ «ما يثير الذهول بالفعل أنه، بدل أن يستهجن كل من ألصق بي اليوم تهم التمرد ومخالفة القوانين، لم يخدش شعورهم صورة بشعة تظهر مدى تمرّد البعض على القضاء نتيجة وقوف مدّعٍ عام أمام مكاتب شركة مشتبه في تهريبها أموال اللبنانيين ومنعه من الدخول».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار )