آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » الرغيف لايحتاج للدعم!!

الرغيف لايحتاج للدعم!!

 

علي عبود

لم تتوقف الحكومات المتعاقبة خلال العقود الماضية عن “تمنين” ملايين السوريين بالدعم “الهائل” لرغيف الخبز، والذي وصل حسب تصريح لمسؤول حكومي إلى 8 تريليونات في العام الماضي، في حين جزم “مصدر” في وزارة التجارة الداخلية، بعد رفع سعر الربطة إلى 400 ليرة، إن قيمة الدعم لاتقل عن 13 تريليونا سنويا!
والسؤال: لماذا هذا الفارق الكبير ،والمريب ، المقدّر لدعم الرغيف في التصاريح الحكومية المختلفة، والذي يصل إلى 5 تريليونات ليرة؟
وبما أن الطوابير أمام الأفران لم تتوقف إلا في أيام نادرة جدا، فهذا يدفعنا إلى الإستنتاج بأن كمية الخبز الموزعة غير كافية، مايضطر الألاف إلى شرائها بأضعاف ثمنها من باعة الخبز المنتشرين بكثرة في محيط الأفران، وبالتالي فالدعم منقوص ومبالغ فيه كثيرا!
نعم، هناك مبالغة مقصودة في حجم الدعم المقدم للرغيف، لأن السؤال يجب أن يكون: لماذا تدعم الحكومة الخبز، أو أيّ مادة أخرى، لو كان الدخل يغطي احتياجات المواطن حسب النص الدستوري الواضح جدا؟
السؤال الفعلي هو: من يدعم من؟
طالما أن العامل بأجر لايحصل على دخل حقيقي، فهذا يعني أن الحكومة التي هي الجهة الحصرية بتحديد مقدار الأجر، تقتطع التريليونات من دخل ملايين السوريين، “لتمننهم” لاحقا أنها تنفق بعضها، وليس كلها، لدعم الخبز والمحروقات، وغيرها من السلع التي يتضاءل عديدها عاما بعد عام.
الملفت في الموضوع، إن الحكومات المتعاقبة التي حررت الأسعار تدريجيا، باستثناء الرغيف، لم تقم بإعادة المبالغ الناجمة عن رفع الدعم إلى مستحقيها، وقد قلناها منذ أكثر من عشرين عاما: حرروا الأسعار وارفعوا الدعم كليا، مقابل منح أجر للعامل يفيض عن احتياجاته المعيشية، بما فيها السكن!
وبما أنه لم يبق من مادة “لتمنين” السوريين بدعمها سوى الخبز، فقد سبق لمدير سابق لمؤسسة “السورية للمخابز” منذ خمسة أعوام أن تقدّم بمشورع يتيح نقل “السورية للمخابز” من الخسارة إلى الربح، دون رفع سعر ربطة الرغيف، لكن مثل كل الأفكار والمشاريع التي تفتح الآفاق لاستثمار طاقات الدولة الكبيرة وتزيد مواردها المالية، فإن المشروع “طار” مع صاحبه، وكأنّ لانية لتحويل أي مؤسسة من خاسرة إلى رابحة، فالهدف الوحيد للحكومات المتعاقبة خلال العقدين الأخيرين “تسليم” المنشآت الحكومية للقطاع الخاص تحت مسمى (التشاركية)، ومع ذلك مامن رجل أعمال “محترم” أو “حوت” مال يرضى باستلامها!
لقد نجحت الحكومات المتعاقبة بالنسبة لموضوع دعم الرغيف إلى إقناع ملايين السوريين بالحصول على الخبز بمواصفات سيئة ومن خلال الوقوف لأكثر من ساعتين في الطوابير مقابل سعر زهيد مقارنة بسعر الربطة السياحية، او بشرائها هي نفسها من الباعة بخمسة أضعاف سعرها، والسؤال: هل فعلا تعجز وزارة التجارة الداخلية عن تأمين الخبز بالراحة وبمواصفات جيدة؟!
عندما لاتتجاوز يومية “العجان” في الأفران الآلية ثمن سندويشة فلافل مقابل أكثر من 25 ألف ليرة “وهي أيضا قليلة” في الأفران الخاصة، فمن الطبيعي أن تكون النتيجة رغيفا سيئا من جهة، وبأن جزءا كبيرا مما يسمى “دعم الرغيف” هو مقتطع من أجر العاملين بالأفران الحكومية من جهة أخرى.
لا شك إن للمواصفات الفنية لمستلزمات تصنيع الخبز الدور الحاسم بإنتاج الرغيف الجيد أو السيىء، وبما أن الدعم لايكفي لتأمين المستلزمات الجيدة، فهذا يعني أن الدعم يبدو غير كاف سوى لإنتاج الخبزالرديىء وعلى حساب العاملين بالأفران الذين يتقاضون أجورا زهيدة لضعف خبرتهم في صناعة الرغيف.
وحسب مديرية “السورية للمخابز”، فإن الاحتياج الحقيقي للسوريين من مادة الخبز يومياً يقارب 5.5 مليون ربطة، تنتج منها المؤسسة 51% أيّ 2.8 مليون ربطة والـ 49% تنتجها الأفران الخاصة.
وإذا كان ثمن مبيع الربطة لايتجاوز 4% من تكلفتها، فمن الطبيعي مناقشة أساليب تخفيض التكلفة، لا “تمنين” السوريين بسعرها الرخيص، فطالما الأجور رخيصة بقرار حكومي، لايجوز “تمنين” صاحب الأجر الزهيد بيعه الخبز بأقل من تكلفة تصنيعه!
الخلاصة: يُمكن لمؤسسسة “السورية للمخابز”، تأمين أكياس الخبز مجانا ومع عائد مجز من خلال عقود مع شركات خاصة تؤمنها بمواصفات جيدة مقابل الإعلان عن منتجاتها على الأكياس، وهذا أمر شائع في كل أكياس النايلون المستعملة في المولات والسوبر ماركات، وبقيام الإفران بإنتاج سلع مربحة كالكعك والصمون والمناقيش والحلويات..الخ، كما يمكن لإدارة “السورية للمخابز” تأجير أسطح أفرانها لبعض المستثمرين لاستخدامها كمطاعم أو مولات..الخ، وكل ذلك سيحوّل المؤسسة إلى رابحة، ويؤكد ماقلناه مرارا بأن الرغيف لايحتاج للدعم!

(خاص لموقع سيرياهوم نيوز)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحرب على الوعي والمثقف الوطني المشتبك

  بقلم :د. حسن أحمد حسن   عندما يطوي السوريون تحت أقدامهم ثلاثة عشر عاماً من أقذر حرب عرفتها البشرية، ويفلحون في الحفاظ على كيان ...