نبيه البرجي
ايتامار بن غفير: “نحن على استعداد للتفاوض معهم، ولكن بعد موتهم”. هو من اعتبر، لدى ظهور”تنظيم الدولة الاسلامية” (داعش) أن هذا التنظيم “نتاج العقل العربي الذي هو عقل الذئاب”، كونه يمتلك عقل الملائكة لا عقل الشيطان. على كل حال، مقابل تلك الآلاف من العرب الذين قتلهم “داعش”، هل من قتيل يهودي أو اسرائيلي؟
مثل الحاخام مئير كاهانا الذي كان يحلم بأن يرقص بـ”الكأس المقدس” على قبور العرب. غالبية الاسرائيليين تحلم بأن ترقص بـ “الكؤوس المقدسة” (كؤوس الشامبانيا) فوق قبورنا. العرب لم يفكروا، يوماً، اذا ما استثنينا بعض البهلوانيات اللغوية، بالرقص فوق قبور اليهود.
منذ الستينات من القرن الماضي، رأى الكاتب، الصحافي الانكليزي ديزموند ستيوارت أن الشرق الأوسط يسير ضد منطق الأشياء. السبب “ذلك الفائض التاريخي، وذلك الفائض الايديولوجي. كل يحمل عظام أنبيائه، ويدق بها على أبواب الآخرين. هكذا، بالشعارات، وبالطقوس، الدينية يخوض أهل المنطقة كل أنواع الصراع، ليبدو وكأنهم ولدوا من بطون أمهاتهم وهم يحملون السواطير”.
لطالما تساءلنا عن المنطق، أي اللامنطق، في المنطقة. كلما ازداد العرب افتتاناً بالاسرائيليين، وفتحوا لهم أبوابهم وقلوبهم، منذ أن حطّ أنور السادات في الكنيست ليقدم اعتذاره عماً فعله الفرعون بقوم موسى، كلما ازدادت رغبة هؤلاء في قتل العرب، وفي اقتلاعهم، وفي التنكيل بهم (أبحاث عالم الآثار المصري زاهي حواس لم تعثر على أي أثر للوجود العبراني في مصر).
مقابل ذلك، كلما ازدادت كراهية الاسرائيليين للعرب ازداد العرب عشقاً لهم. بكل تأكيد منطقة لا علاقة لها بمنطق الأشياء. هل كان أميحاي الياهو، وزير التراث الاسرائيلي يدعو الى الى استخدام القنبلة النووية ضد أهل غزة أم ضد العرب؟
جانب آخر من هذا المشهد السريالي. كان العالم المصري جمال حمدان، وهو أهم من قرأ المسار الجنوني للثقافة التوراتية، يستغرب كيف أن العدوى التكنولوجية لم تصل الينا من “اسرائيل”، خلافاً للعدوى الايديولوجية، وحيث النظرة القبلية، لا الكونية، الى الله. والنتيجة ليست الأزمنة هي التي تتفلت منا فقط. الأمكنة أيضاً. حقاً، حين تكون أرضنا مستباحة للأميركيين وللاسرائيليين، بعدما كان البريطانيون، والفرنسيون، قد رسموا الخرائط بالسكين، لنكون السكاكين في وجه بعضنا بعضا.
كل ما فعلناه حيال ما قاله فينا المستشرق الأميركي برنارد لويس أن نشتمه في مجالسنا، لا أن نعي ما كان يرمي اليه مشروعه الذي صادق عليه الكونغرس، عام 1993، لتفكيك منطقتنا عشائرياً وطائفياً، بعدما وصل بازدرائه لنا حد القول “هؤلاء الذين لم يتأثروا حتى باخلاقية الابل التي كانت تنقلهم، على ظهورها، عبر الصحارى، أو عبر الأزمنة”. نخشى اذا ما كنا، ولا نزال، ننتقل، عبر الأزمنة، على ظهور الابل!
أيضاً، لم نفعل أي شيء لكي نقنع الآخرين بأننا مجتمعات تستطيع المشاركة في صناعة الحياة، وليست فقط مجتمعات قابلة للبقاء ما دون الحياة. أنظمة توتاليتارية، ومجتمعات توتاليتارية، غالباً ما تستسيغ الاقامة على ضفاف الغيب بانتظار يوم القيامة. محمد أركون، المفكر المغربي الشهير سأل “من قال ان الله يقودنا الى ذلك اليوم مثلما تقاد الابل”. حثّ العرب، ولكن من دون جدوى، على “أن يكون كل يوم هو القيامة”.
الفلسطينيون قاموا، ولقد أثبتوا ذلك، أسطورياً، على أرض غزة، ولكن متى يقوم العرب، بعدما كان محمد الماغوط قد تساءل ما اذا كانت قنبلة هيروشيما تكفي لكي نستيقظ من تلك الغيبوبة (غيبوبة الغيب)؟ لا نتصور أن ذلك ممكن، وقد لاحظنا كيف تعاملنا، وكيف نتعامل، كما الكائنات الجليدية، مع المذابح المروعة للأهل في غزة. ماضون في “الحالة”، دون أن يفتح الأميركيون أمامنا أبواب القرن. قيل لنا… انه المستحيل.
لهذا يستطيع جو بايدن، أن يقول لأركان اللوبي اليهودي وهو على تواصل، أو على تنسيق، يومي معهم، ان القبول بالدولة الفلسطينية لا يعني، فقط، أن العرب، كل العرب، سيشاركون في بناء الهيكل الثالث، بل ان الصراع بين القوى الفلسطينية سينتهي الى الاقتتال بين بعضهم بعضا.
بالرغم من ذاك التردي التاريخي في أحوالنا، لا تظنوا أن الاسرائيليين في أحسن حال. لا بد أن يعودوا الى تراثهم القبلي، والاقتتال كما حدث لهم منذ 3000 عام. انه الفائض الايديولوجي، مثلما هو الفائض التاريخي
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)