فاتن أحمد دعبول:
يبدو أن الحرب على سورية والتي أدمت قلوبنا وماتزال ، كانت مادة دسمة للكثير من أصحاب القلم ، وعلى رأسهم من اتخذ من الرواية وسيلته للتعبير عن أحداث لم يشهد لها التاريخ مثيلاً .
فهل كانت الرواية السورية تحاكي الحدث الجلل ، وهل استطاعت حقاً أن ترصد الآثار التي خلفتها هذه الحرب في نفوس السوريين ، وكيف تناول الروائيون الحرب الطازجة في أوج اشتعالها ؟
هي محاور تداعى لمناقشتها مجموعة من الأدباء والنقاد في اللقاء الشهري” شآم والقلم” الذي استضافه المركز الثقافي” أبو رمانة” وحمل عنوان” بين ضجيج المعارك وصهيل الكلمات ، رواية الحرب .. حكاية مثقلة بالوجع” سبر أغوار الروح .
يقول الناقد نذير جعفر : إن رواية الحرب ليست مجرد رصد وتسجيل للوقائع اليومية ، أو لما تفرزه من مآس يعرفها الناس ويعيشونها ويروونها ، بل هي معنية في المقام الأول بالتوغل في تداعياتها العميقة على المستويين الاجتماعي والنفسي ، وتصوير ماأحدثته من شروخ وتبدلات درامية في النفوس والمصائر وقول مالم يقله الآخرون بأساليب وتقنيات جديدة ومخيلة تكسر الرتابة والمألوف ولاتقف على السطح ، بل تسعى لاكتشاف الجوهر وصياغته بما يحقق المتعة والمعرفة ويرتقي بالشعور الإنساني إلى عرش النبالة .
ويضيف : أكثر من مئتي رواية سورية تحدثت عن الحرب ، البعض نسج خيوطها بين الأمس واليوم مكتفياً بتسجيل الوقائع المعروفة ، وانجرف النوع الثاني من تلك الروايات إلى مستوى التقارير البعيدة عن فنية وجمالية العمل الروائي ، واكتفت روايات النوع الثالث من روايات الحرب بدور الذي يدون يومياته ومشاهداته على غرار مادونه سابقاً البديري الحلاق ، بينما اتخذ النوع الرابع من رواية الحرب منحى فلسفياً في فهم مايحدث وتأويله عبر الحفر عميقاً في دواخل النفس البشرية ونزعاتها وما يعتريها من إحباطات وهزائم .
بينما انتصر البعض لكل ماهو جميل من أجل سورية موحدة بترابها وشعبها كرواية” مفقود” لحيدر حيدر ، رواية” لاتبك يابلدي الحبيب” لحسن حميد ، رواية” كتاب دمشق” لهزوان الوز ..
كما دخلت المرأة غمار الحرب ، فكتبت مريم شعبان” تسعون يوما في الربيع” وسمية طلس في روايتها” الخطايا” وبشرى أبو شرار” مدن بطعم البارود” ورواية” كارولين” لإيمان شرباتي ، ورواية” سمسق” لفاتن ديركي .
الحكاية والتقنية .. متلازمان
واستعرض الأديب محمد الحفري الكثير من الأعمال الروائية الصادرة في دمشق والتي تتعرض لمحنة الإنسان السوري منذ بدء الحرب التي شنت على سورية ، ومنها رواية” الأرض تنبسط تحت الأقدام” للكاتب منصور حاتم ، ورواية” زناة” لسهيل الذيب ، ورواية” السبية” لكاتبها ابراهيم خولي .
وعلى صعيد السرد الأنثوي تأتي رواية” بنت العراب” لكاتبتها إيمان شرباتي ، ورواية” ألسنة اللهب” لمنال رشيد ، ورواية” تيا ياأنت” للكاتبة أماني المانع والتي تتطرق لهذه الصدوع في حياتنا والتي مزقت أبناء المجتمع الواحد .
وينتهي للقول : إن ماكتب على صعيد الفنون والأجناس الأدبية كافة ، لايزال قليلاً قياساً إلى حجم الحدث السوري والفاجعة المروعة والمأساة التي لم يشهد التاريخ مثيلاً لها ، والكتابة هي وجهة نظر نقدمها كل على طريقته الفنية ، ولايضير الرواية أن تكون وثائقية شرط وجود ميزة الإمتاع ، وربما تغلب الحكاية على النص الروائي ، لكن يجب عدم إغفال التقنية الفنية ، لأن الحكاية والتقنية متلازمان .
– الواقعية .. أولاً
وتبين الأديبة إيمان شرباتي أن الرواية هي عمل إبداعي يحتمل الكثير من التجريب ، لكنه يفترض أن يتوفر فيه عناصر تستحق أن ترتقي بالعمل إلى مستوى رواية .
وتحدثت بدورها عن تجربتها في رواية” العراب” حيث كانت الحرب خلفية لحدثها الرئيس ، وتناولت ماحدث في سورية بين عامي 2010 – 2014 ، تناولت الحدث طازجاً ، لكنها أفسحت المجال لتطور الشخصيات دون أن تتناول ضجيج المعارك .
وحول مقومات الرواية لتحتل مرتبة الديمومة قالت : على الروائي أن يجتهد لجعل الرسالة في عمله الروائي مرشحة للحياة عبر الابتكار والتخييل ، وأن يتناول مسائل وجودية مهمة حتى لو تصدى لموضوع مثل الحرب ، والتركيز على القيمة الجمالية أو الفنية للرواية ، وهو مايمنحها الديمومة والصلاحية للقراءة في كل وقت ، وليس شرطاً أن تكتب الروايات بعد أن تضع المعارك أوزارها ، بل يمكن أن تواكب الرواية حدثاً طازجاً كالحرب ولكن بعد تحقيق المتعة السردية بتنوع أشكالها وأساليبها
(سيرياهوم نيوز-الثورة)