كانت الأيام والساعات التي سبقت إعلان بايدن انسحابه، مليئة بالأحداث والوقائع استناداً إلى أكثر من 10 شخصيات ديمقراطية من حملته الانتخابية، والبيت الأبيض.
بعد أشهر من العناد والمكابرة والمحاولات الدائمة والمستميتة لإخفاء حقيقة وضعه الصحي المتدهور، وحالته العقلية المتردية، اتخذ الرئيس الأميركي جو بايدن قراراً، وصفه المقربون منه بالأصعب، بالانسحاب من السباق الرئاسي لولاية جديدة.
وكتب بايدن (81 عاماً) في رسالة نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي ظهر الأحد الفائت قال فيها: “لقد كان أعظم شرف في حياتي أن أخدم كرئيسكم”. وأضاف: “على الرغم من أنني كنت أنوي الترشح لإعادة انتخابي، أعتقد أنه من مصلحة حزبي والدولة أن أتنحى، وأركز فقط على أداء واجباتي كرئيس للفترة المتبقية من ولايتي”.
ما تجدر معرفته، أن هذا القرار جاء كنتيجة حتمية لحملة من الضغوط الكبيرة شرع فيها العديد من المشرعين والمسؤولين في الحزب الديمقراطي، بعدما كان وصف الكثيرون منهم ظهوره خلال المناظرة الأخيرة مع خصمه اللدود دونالد ترامب، بأسوأ أداء لمرشح رئاسي في تاريخ السياسة الحديث، حيث بدا بايدن حينها ضعيفاً وضائعاً، فاغر الفم (فمه مفتوح دائماً)، يتمتم ويتلعثم ويفقد تسلسل أفكاره. ومنذ تلك اللحظة، دقّ الديمقراطيون ناقوس الخطر، وأعلنوا النفير العام لدفعه إلى التنحي، تداركاً للتداعيات الكارثية التي كانت ستحل بحزبهم إن أصرّ على مواصلة السباق الرئاسي.
الأجواء المحيطة ببايدن قبل اتخاذ القرار
كانت الأيام والساعات التي سبقت إعلان بايدن انسحابه، مليئة بالأحداث والوقائع استناداً إلى أكثر من 10 شخصيات ديمقراطية من حملته الانتخابية، والبيت الأبيض والكابيتول هيل، (الذين تحدثوا إلى الصحافة الأميركية بشرط عدم الكشف عن هويتهم).
فالأجواء داخل المؤسسات الرسمية والديمقراطية، كانت تضجّ بالتمتمات والوشوشات، والأحاديث الجانبية في الغرف المغلقة وبين الممرات من قبل العاملين بحملة بايدن الانتخابية وموظفي البيت الأبيض، وكلها تشير إلى أن أمراً ما قادم في الأجواء، وتفترض أيضاً أن شيئاً ما يجب أن يحدث – مثل الاعتراف بالواقع – غير أنهم لم يعرفوا ماذا ومتى وكيف.
وما زاد الطين بلة، أن الخريطة الانتخابية لبايدن كانت تتوسع في الاتجاه الخاطئ. فمال المتبرعين يجف، بعد إحجامهم عن التبرع عقب المناظرة. ناهيك بأن استطلاعات الرأي، وخصوصاً في الولايات التي تؤيد الديمقراطيين، انتقلت من سيئ إلى أسوأ.
البداية، تعود إلى عطلة نهاية الأسبوع الماضي، حيث اجتمع بايدن على شاطئ ريهوبوث بولاية ديلاوير مع طاقم صغير مكون من العائلة والمستشارين، وفي مقدمتهم مستشار البيت الأبيض ستيف ريكيتي، وكبير مستشاري الحملة مايك دونيلون، ونائب رئيس الأركان آني توماسيني، وكبير مستشاري السيدة الأولى أنتوني برنال.
خلال الاجتماع، دبّت الحماسة في الجميع فاندفعوا إلى الأمام، وأقسموا علناً بعدم التخلي عن بايدن، وأخبروا أولئك الذين عملوا معهم ألا يتوقفوا عن إعطاء الزخم المطلوب لحملة بايدن. بموازاة ذلك، كانت أومالي ديلون، نائبة رئيس موظفي البيت الأبيض، تستعد لتعلن للأميركيين باستمرار بايدن بالترشح، عندما ذهبت إلى برنامج “Morning Joe” على قناة “MSNBC”، ووضعت فجأة، حداً للتكهنات المتزايدة بأن خروج بايدن بات وشيكاً. وقالت: “الحملة تعمل كخلية نحل والرئيس مصمم على خياره.. ولن يذهب إلى أي مكان”.
ظهر يوم الجمعة الفائت، توالت التطورات الدراماتيكية؛ إذ جرت مكالمة متوترة مع المانحين، وجلّهم من كبار رجال المال في الحزب الديمقراطي، أثارت بالنهاية غضب العديد منهم. تلا ذلك، انضمام نائبة الرئيس كامالا هاريس في وقت متأخر إلى المكالمة الجماعية (والأخيرة كانت على الطريق) عبر تقنية Zoom لبضع دقائق فقط، تفاخرت خلالها بجهود الحملة في ولايتي ميشيغان وويسكونسن، كما أعربت عن ثقتها بالنصر ثم قطعت الاتصال، وتركت جميع أسئلة المانحين من دون إجابة.
على إثر ذلك، غادر المانحون وهم محبطون ولسان حالهم يقول: إن “الأمر بدا كما لو لم يكن لدينا عيون، ولم نتمكن من رؤية ما يجري”، وفقاً لشخص شارك في المكالمة.
في الوقت ذاته، كانت الأوضاع الانتخابية تتفاقم. ومع ذلك، واصل ريكيتي ودونيلون عملهما طوال يوم الجمعة بكامل قوتهما، خصوصاً خلال مؤتمر الحزب الجمهوري، بحسب شخص مطلع على المحادثات. ومساء السبت، التقيا بايدن الذي كان يعاني من الإصابة بكوفيد، وقد تم إطلاعه على نتائج استطلاعات الرأي السيئة، والتي تراجعت أواخر الأسبوع الماضي.
اللافت، أن حملة بايدن استمرت بالتخطيط للرحلات وجمع التبرعات له، يوم السبت كأن شيئاً لم يكن. والمضحك أنه تم إرسال بريد إلكتروني لجمع التبرعات للبطاقة الانتخابية التي تحمل اسميّ بايدن-هاريس عبر البريد الإلكتروني يوم الأحد، حتى بعد أن نشر بايدن رسالته التي أعلن فيها قراره.
تمرد الديمقراطيين على بايدن
في الحقيقة، كان بايدن قد اتخذ قراره ليلة السبت الفائت، بعد تأكده من أنه ليس لديه أي أمل بالفوز (بحسب الأشخاص المقربين منه) ثم ذهب إلى الفراش. وعندما استيقظ، أجرى فحصاً آخر للأمعاء قبل المضي قدماً بنشر الخبر. لكنه بقي مستاءً من المشرّعين الديمقراطيين، واستراتيجيي الحزب الذين بدأوا بالتآمر عليه علناً لطرده.
وتبعاً لذلك، ينقل أحد أعضاء الكونغرس لصحيفة “نيويورك تايمز” قوله، إن بايدن “يشعر بالخيانة والانزعاج الشديد” من كل الأشخاص الذين كان يعتقد أنهم أصدقاء. وأضاف المشرّع أن “الرئيس كان متقبلاً للحجج المتعلقة بالاقتراع وإرثه، غير أن الأمر استغرق بعض الوقت، وأن الموظفين بمعظمهم لم يكونوا على علم بالأمر”.
على المقلب الآخر، لم يخف المشرّعون الديمقراطيون في الكابيتول هيل قلقهم أيضاً مما آلت إليه أحوال بايدن. صحيح أن العشرات منهم، أحجموا عن الإعلان عن الأمر، احتراماً للرئيس وخوفاً من المخاطر السياسية التي ستنجم عن ذلك. لكن الكثيرين من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، أبدوا عدم استعدادهم للرضوخ لإرادة بايدن.
ولهذه الغاية، عمدوا إلى تبادل الأفكار فيما بينهم، حول إذا ما كانوا سيتوجهون كمجموعة أو فرادى، للقاء بايدن، وبالتالي حثه على الخروج من السباق الرئاسي أو تحذيره من أنهم سيخرجون ويدعون إلى تنحيه علناً، في حال لم يستجب لمخاوفهم. والكلام هنا على ذمة أشخاص اطّلعوا على المناقشات الداخلية بين الديمقراطيين.
وبالمثل، عبرّ عدد من مساعديه يوم الأحد، عن استيائهم من إبقائهم معزولين عما يجري، لا سيما أنه كان طُلب منهم يومي الجمعة والسبت، مواصلة القتال من أجل ترشيحه. حتى إن البعض كان يعمل صباح يوم الأحد، ويستعد للعروض الصباحية الانتخابية.
الأحد.. القرار الكبير
حتى بعد ظهر يوم الأحد، لم يكن من الواضح متى بالضبط سيخاطب بايدن الأمة مباشرة، كونه كان لا يزال يعاني من أعراض كوفيد، بما في ذلك صوت أجش. لذا، يرجح المطلعون على الوقائع، أن بايدن وفريقه انتظروا حتى يتحسن وضعه، للإدلاء بالتصريحات اللازمة.
لم يطل الأمر كثيراً، حتى اتصل الرئيس بايدن في ذلك اليوم، بنائبته هاريس وأخبرها مباشرة بقراره. وتحدث كذلك، بشكل فردي مع جيف زينتس، كبير موظفي البيت الأبيض، وجين أومالي ديلون، رئيسة حملته.
ثم، عقد زاينتس اجتماعاً في الساعة 1:45 بعد الظهر بتوقيت واشنطن، لأعضاء الفريق الأساسي في البيت الأبيض وحملته، حتى يتمكن بايدن من إخبار أولئك الذين عملوا معه بشكل أقرب أنه يتخلى عن حلم الولاية الثانية. المفارقة أن هؤلاء علموا بالقرار قبل دقيقة واحدة من إصداره.
وبينما كان بايدن يتحدث في ذلك الاجتماع، تم نشر رسالة تعلن عن نواياه على الإنترنت. ثم قام رئيس الأركان بعد ذلك بمكالمات عبر “زووم”، مع أعضاء الحكومة ومساعدي الرئيس في البيت الأبيض.
في الساعة 2:26 بعد الظهر كتب زينتس إلى فريق البيت الأبيض بأكمله قائلاً: “هناك الكثير للقيام به – وكما يقول الرئيس بايدن لا يوجد شيء لا تستطيع أميركا القيام به – عندما نفعل ذلك معاً”.
وهكذا أنهى بايدن حُلمه مكرهاً، بانتظار أن يتقاعد من العمل السياسي الذي استمر لنصف قرن، جلب للبشرية خلال هذه الأعوام الطويلة الكثير من الويلات والحروب والشرور والإرهاب، لا سيما في اليمن وسوريا والعراق وغيرها من مناطق العالم. وبالطبع، مشاركته الواضحة في مجازر غزة وتدمير جزء من جنوب لبنان.
سيرياهوم نيوز٣_الميادين