باسل علي الخطيب
طرحنا في نهاية الجزء الاول من هذا البحث سؤالاً، أنه لماذا لم يستثمر نابليون فائض القوة الكبير الذي لديه في مهاجمة بريطانيا العدو الأزلي لفرنسا، واتجه بجيشه لاجتياح روسيا، علماً أن روسيا لم تكن تشكل أي خطر او تهديد على امبراطوريته….. كان عديد جيش نابليون الذي هاجم روسيا 600 الف، 300 الف من فرنسا، و 300 الف من الإمارات والدوقيات والممالك التي كانت تحت السيطرة الفرنسبة… تأملوا من هي الدول التي شاركت في جيش نابليون، اتحاد الراين ( بادن، بافاريا، بيرغ، ساكسونيا، فستفالين)- دوقية وارسو- ايطاليا- مملكة نابولي- سويسرا- النمسا- الدانمارك – الترويج- السويد- بروسيا…. عملياً كل اوروبا، ألا تشبه تلك الحرب هذه الحرب في أوكرانيا؟!!.. مرة أخرى نعيد ونكرر، ليست الحرب الأوكرانية هي الحرب الأولى التي تخوضها كل أوروبا ضد روسيا…. يطلق الروس على الحرب مع فرنسا الحرب الوطنية ( отечественная воина)، كانت تلك الحرب نقطة تحول في الحروب النابليونية، طوال الحملة الفرنسية على روسيا، عمد الروس إلى تكتيك مذهل، أنهم طوال الحرب تجنبوا مواجهة الجيش الفرنسي الذي يفوقهم عدداً وعدة مواجهة مباشرة، ولم يخوضوا مع الفرنسيين طوال فترة الحملة التي استمرت لستة أشهر إلا معركة كبيرة واحدة، هي معركة بوريدينو في أيلول 1812، صحيح أن الجيش الروسي قد خسرها، ولكنهم كبدوا الفرنسيين خسائراً كبيرة، هي الأكبر في تاريخ كل معارك نابليون… استمر الروس بالتراجع أمام الفرنسيين، واستدراجهم، حتى تطول خطوط إمداد هؤلاء، وصار من الصعب دعم هذا الجيش الكبير لوجستياً بالشكل اللازم، كان الروس يحرقون قبل انسحابهم كل المناطق قبل ان يدخلها الجيش الفرنسي، كانوا يحرقون القرى والمدن والمحاصيل، وقد اوكل الروس للقوزاق تنفيذ ذلك، حتى لا يستفيد الجيش الفرنسي من الموارد، حتى أنهم احرقوا عاصمتهم موسكو قبيل انسحابهم منها، في ذات الوقت كان الروس يشنون حرب استنزاف طويلة ومنهكة ومستمرة على طول أطراف الجيش الفرنسي، ومع دخول ( гинирал сниг – الجنرال ثلج ) كما يسميه الروس، الحرب، مالت الكفة لصالح الروس، وقضى البرد والشتاء والجوع والأمراض على معظم الجيش الفرنسي…. فقد نابليون جل جيشه في الحملة الروسية، من اصل 600 ألف جندي، رجع نابليون إلى فرنسا ب 27 ألف جندي فقط، وكان ذلك السبب الوحيد لنهاية امبراطوريته، لتأتي بعد ذلك معركة واترلوا عام 1815، لتكون المسمار الأخير في نعش إمبراطورية نابليون، تلك المعركة التي كانت الهزيمة فيها نتيجة حتمية للهزيمة في الحملة الروسية، على فكرة معركة واترلو كانت مابين فرنسا من جهة، وبريطانيا وبروسيا الألمانية من جهة، لتظهر بريطانيا وكأنها هي من أنقذت أوروبا من نابليون….. نعم، ذاك سؤال كبير يطرح، أنه لماذا لم يهاجم نابليون بريطانيا، وهاجم روسيا؟ تلك الحرب التي انتهت بالقضاء على فرنسا، الد أعداء بريطانيا، وانهكت العدو الآخر روسيا كثيراً…. السؤال إياه يطرح فيما خص الحرب العالمية الثانية…. مع نهاية عام 1940 كان هتلر يسيطر على معظم قارة أوروبا، لم يكن يخرج عن سيطرته إلا اسبانيا وفيها حليفه الجنرال فرانكو، وإيطاليا ويحكمها حليفه موسوليني، والاتحاد السوفيتي، الذي وقع مع زعيمه ستالين معاهدة عدم اعتداء عام 1939 أفضت الى اقتسام بولونيا…أضف إلى تلك الدول الثلاث كان هناك أيضاً بريطانيا، وهي الدولة العدوة الوحيدة من بينهم لهتلر، كان الألمان يمتلكون آنذاك فائض قوة هائل، مع سيطرة جوية ساحقة، ومعنويات عالية جداً… أريد أن أشير في هذا السياق أن القوات الألمانية تمكنت من سحق الجيش الفرنسي وحلفائه خلال أسابيع، وصلوا خلالها إلى العاصمة باريس… عندما شن الألمان هجومهم على فرنسا، كانت في الجبهة المعادية لهم تقف بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ، كان ميزان القوى متقارباً جداً، ومع ذلك تمكن الألمان من سحق خصومهم، وانهاء المعارك خلال 45 يوم، وصلوا في نهايتها إلى باريس، حيث دخلها هتلر في عملية استعراضية يوم 25 حزيران 1940….. إذاً، السؤال الكبير والكبير هنا، لماذا لم يستثمر هتلر فائض القوة هذا لسحق بريطانيا، وكان يقدر؟؟… نعم، شنت ألمانيا هجوماً على بريطانيا، عرف لاحقاً في التاريخ بمعركة بريطانيا، وذلك عام 1940، ذاك الهجوم كان عبارة عن هجمات جوية متواصلة على الجزر البريطانية، وكانت الحرب الوحيدة في التاريخ التي تمت بسلاح الجو فقط، كان نتاج تلك المعركة أن عدل هتلر عن غزو بريطانيا، علماً أنه كانت هناك خطة موضوعة وجاهزة من قبل الجيش الألماني لغزو بريطانيا، وهي عملية جوية – برمائية، حملت اسم أسد البحر، كانت تأخذ في الحسبان قوة الأسطول البريطاني و وعورة الشواطيء في الجزر البريطانية….. لاحقاً وعبر السينما ووسائل الإعلام والمؤلفات تم تضخيم معركة بريطانيا كثيراً، واعطائها أكثر من حجمها بكثير، وأنها كانت معركة مفصلية في الحرب العالمية الثانية، وإظهار شجاعة الشعب البريطاني وحنكة ونستون تشرشل… تلك المعركة لو تمت مقارنتها بغزو ألمانيا للاتحاد السوفييتي، لكانت مجرد دغدغة بسيطة، على فكرة سعى البريطانيون عبر ماكينتهم الإعلامية والسينمائية الهائلة، لتكبير حجم معركة بربطانيا، لتضخيم مساهمة بريطانيا في محاربة النازية، وهذا التهويل الإعلامي والسينمائي لم يقتصر على معركة بريطانيا فقط… خذوا على سبيل المثال معركة العلمين عام 1942، والتي حصلت في الصحراء المصرية غرب الإسكندرية ب 90كم، بين الجيش البريطاني بقيادة مونتغمري، والجيش الألماني بقيادة رومل، عن تلك المعركة كتب ونستون تشرشل في مذكراته أنه مابعد العلمين ليس كما قبلها، وكأنها كانت المعركة المفصلية في الحرب العالمية الثانية، علما أنه لو قارنا بينها وبين معركة كورسك على الجبهة الروسية، لوجدنا أن عديد القوات البريطانية والألمانية المشاركة في معركة العلمين، لم يكن إلا 1 على 40 من عديد القوات المشاركة في معركة كورسك، وان عدد الأسرى الألمان في معركة كورسك كان أكثر من ضعفي القوات الألمانية التي شاركت في معركة العلمين…. على فكرة تدخل القدر في نصر البريطانيين في العلمين، حيث أنه في اليوم الثاني للمعركة توفى القائد الالماني فون شتومة بسبب نوبة قلبية، وتولى مكانه ريتر توما لحين وصول رومل، وعندما وصل رومل كانت الأمور قد حسمت… بالحديث عن معركة كورسك عام 1943، تلك المعركة وحدها دامت 48 يوم، غزو بريطانيا كله دام 81 يوم فقط، كان عديد القوات الألمانية في تلك المعركة اكثر من مليون جندي، مع 6000 دبابة و 3000 طائرة، في تلك المعركة حصلت أكبر معركة دبابات في التاريخ في منطقة بروخوروفكا، كان عدد الجنود الألمان الذين تم أسرهم في تلك المعركة يفوق بمرتين عديد القوات الألمانية كلها التي شاركت في معركة العلمين…… نعم، كانت معركة كورسك هي المعركة المفصلية في الحرب العالمية الثانية، والتي قلبت ميزان الحرب لصالح الحلفاء… كان بإمكان هتلر أن يرسل قواته عبر مضيق المانش لغزو بريطانيا، ولم يكن ليستطيع الأسطول البريطاني التدخل ومنع ذلك، لانه كان سيتم إغراق سفنه عبر الطائرات الألمانية التي كانت تمتلك سيطرة جوية كاملة، والدليل أنه عندما تم حصار القوات البريطانية المنسحبة من فرنسا وبلحيكا في مدينة دنكيرك البلحيكية الساحلية، لم يجرؤ الأسطول الحربي البريطاني على التدخل واجلائهم، علماً أن عديد القوات البريطانية كان كبيراً، وكانوا يشكلون النواة الأساسية للجيش البريطاني، حيث كان عددهم أكثر من 300 الف جندي، رغم أنه كانت تنتظرهم مذبحة كبيرة من قبل القوات الألمانية التي كانت تتقدم نحوهم، وقد حصرتهم في جيب ضيق، أو أن يقعوا في الاسر، وكانوا يتعرضون يوميا لقصف عنيف من قبل الطائرات الالمانية، وعملية إجلاء أغلب من تم إجلاءهم ، حصلت عبر سفن وقوارب ويخوت متطوعين بريطانيين، خاطروا بأنفسهم لإنقاذهم…. لاحقاً، عملت الماكينة الإعلامية والسينمائية البريطانية على تصوير عملية الاجلاء على أنها عملية خارقة، تلك العملية التي حملت اسم دينامو….. يتبع
(سيرياهوم نيوز6-خاص بالموقع16-11-2022)