| زياد غصن
هناك عدة صعوبات تواجه مساعي البحث عن مخرج سياسي سوري للوضع المتأزم، منها ما يتعلق بتفسير القرار الدولي المتعلق بالأزمة السورية 2254، والعامل الإقليمي والدولي المؤثر، وتشتت القوى السياسية.
ليس من المبالغة القول إنَّ الاهتمام الشعبي بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد حالياً بات متقدماً على الاهتمام بالأزمة السياسية. هذا الأمر يمكن ملاحظته على الأقل في مضمون الأحاديث اليومية لعموم السوريين، وفي تركيبة ما ينشر في شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، لكن الأمر يبدو مختلفاً لدى كثير من النخب السياسية والاقتصادية التي تتعاطى مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد من منظورين:
– من المنظور الأول، يتم التعامل مع الأزمة الاقتصادية على أنها نتاج طبيعي للأزمة التي تمر بها البلاد منذ عام 2011، والتي تحولت على مدار سنوات إلى حرب كارثية. وتالياً، فإن المخرج الرئيس من الأزمة الاقتصادية يرتبط بإيجاد حل سياسي للأزمة يوفر المناخ والإمكانيات اللازمة لمعالجة جذور المشكلة الاقتصادية في البلاد.
ومع التوقعات المتعلقة بالتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية العميقة لكارثة الزلزال وما تفرضه من تحديات قد تكون مضاعفة لما أفرزته الحرب، فإن حدوث توافق وطني يصبح المخرج الرئيس لمعالجة تركة كارثتي الحرب والزلزال.
– المنظور الثاني يبحث في آفق الوضع الراهن سياسياً واقتصادياً، بما في ذلك ما تسبب به الزلزال المدمر، إذ إنَّ سقف النتائج التي يمكن أن تحققها أفضل السياسات والإجراءات الاقتصادية المتبعة هو السيطرة على الأزمة الاقتصادية والتخفيف من حدة تأثيراتها السلبية، ولا سيما أن أحد الأسباب التي أسهمت في تفاقم الأوضاع الاقتصادية كان بعض السياسات الحكومية.
لذلك، يدعو كثيرون إلى معالجة تلك الأسباب من خلال تصحيح السياسات الاقتصادية، بحيث تتجه فعلاً نحو دعم العملية الإنتاجية، وتوجيه رؤوس الأموال والمدّخرات المالية للاستثمار في القطاع الإنتاجي، وضمان تدفق السلع والمواد بين المحافظات وداخل الأسواق للحد من الغلاء وعمليات الاحتكار والاستغلال، وتفكيك شبكات اقتصاديات الحرب، ومعالجة التشوهات الحاصلة في سياسات التسعير والتهريب والتهرب الضريبي، وتحسين مداخيل المواطنين، واعتماد منظومة حماية اجتماعية لمساعدة الطبقات الفقيرة والمحرومة للحد من انتشار الفقر.
وإذا كان معطى المنظور الثاني واضحاً في ضوء النقاشات الدائرة حالياً التي امتدت في الآونة الأخيرة إلى وسائل الإعلام الرسمية، فإن الإشكالية تكمن في تعريف مصطلح الحل السياسي ومتطلباته، والدور الإقليمي والخارجي، وحقيقة ارتباط معالجة الأزمة الاقتصادية بمجريات ذلك المصطلح.
لماذا الحل السياسي؟
مع أن الموقف السياسي قد لا يكون مرتبطاً باستخدام أي من المصطلحين (الأزمة أو الحرب)، إلا أنَّ الجميع متفق في النهاية على أن هناك ضرورة لاتفاق السوريين على مخرج للأوضاع التي تعيشها البلاد منذ عام 2011، والتي أدت إلى خسائر باتت الأرقام والبيانات الصحافية والخطابات السياسية عاجزة عن الإحاطة بحجمها وعمق تأثيراتها.
هذا المخرج يمكن تعريفه ببساطة على أنه اتفاق القوى السياسية السورية على خريطة عمل سياسية تضمن وحدة أراضي البلاد وسيادتها، واستعادة الأمن والاستقرار، ومواجهة التحديات التي أفرزتها سنوات العقد الثاني من القرن الحالي.
عملياً، هناك عدة صعوبات تواجه مساعي البحث عن مخرج سياسي سوري للوضع المتأزم، منها ما يتعلق بتفسير القرار الدولي المتعلق بالأزمة السورية 2254، والعامل الإقليمي والدولي المؤثر، وتشتت القوى السياسية، ومصير الوجود الأجنبي في البلاد. والسؤال هنا: كيف يمكن للحل السياسي أن يعالج مشكلة البلاد الاقتصادية؟
بموجب هذا الحل، ستكون البلاد قادرة على:
– تحديد مسار واضح ومستقر للاقتصاد الوطني للفترة القادمة، من خلال الاتفاق على هُوية اقتصادية محددة ووضع إستراتيجيات تنموية تنهي حال التشرذم والتبعثر التي تعيشها المناطق اقتصادياً.
– استعادة السيطرة على جميع الثروات والموارد الوطنية واستثمارها بما يعود بالنفع على جميع السوريين، إضافة إلى المطالبة بالتعويضات المالية عما سُرق ونُهب منها، والمثال الأبرز هنا هو حقول النفط والغاز التي تحتلها القوات الأميركية، التي ستكون مجبرة أمام توافق السوريين جميعاً على الخروج من البلاد وتسليم هذه الحقول للمؤسسات الرسمية.
– استعادة السيطرة على المعابر الحدودية كاملة واستثمارها، بما يحفظ أمن البلاد واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالمعابر الحدودية اليوم، إما خارجة عن سيطرة الحكومة السورية، كما هي الحال في معظم المعابر مع تركيا، وأقل درجة مع العراق، وإما خاضعة لعقوبات وحصار أميركي يعرقل عملها ونشاطها الاقتصادي، كما هي الحال مع الأردن مثلاً.
– رفع العقوبات الغربية المفروضة على الاقتصاد السوري، والتي تسببت بخسائر فادحة طالت مختلف القطاعات، وصولاً إلى لقمة معيشة المواطن السوري. وإذا كانت التقديرات البحثية قد تحدّثت عام 2013 عن تسبب العقوبات بخسائر وصلت قيمتها إلى نحو 28% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، فإن النسبة تبدو اليوم مضاعفة بعد موجات العقوبات المتلاحقة التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها على الاقتصاد السوري.
– جذب الاستثمارات العربية والأجنبية نتيجة توفر المظلة السياسية الدولية، ودخول البلاد في حال من الاستقرار الأمني، ووجود فرص استثمار واسعة، الأمر الذي من شأنه أن يسهم، إلى جانب العوامل الأخرى، في دخول الاقتصاد السوري في حال من التعافي والنمو التدريجي.
– وقف النزيف المستمر في الكوادر البشرية ورؤوس الأموال، وهو نزيف وصل إلى مرحلة التهديد الحقيقي للواقع الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد. وعلى الرغم من تراجع معدلات الهجرة الخارجية خلال عامي 2017-2018 على خلفية تحسن الوضع الأمني والاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، فإنَّ البلاد عادت مع العام 2020 لتشهد موجة جديدة من الهجرة البشرية والمالية نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وفقدان الأمل.
– الحصول على مساعدات دولية لإعادة الإعمار، والتي باتت مزدوجة اليوم بعد وقوع الزلزال المدمر في 6 شباط/فبراير. يحتاج نجاح إعادة الإعمار إلى شرطين أساسيين هما: حدوث توافق إقليمي ودولي يترجم بإزالة كل ما من شأنه إعاقة العملية وتدفق الشركات والأموال، والحديث هنا تحديداً عن العقوبات الغربية، وعودة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي إلى البلاد.
ما البديل في حال تأخر الحل؟
ليس ضرورياً أن يؤدي توافق السوريين على مخرج لأزمة بلادهم إلى رفع العقوبات الخارجية، وتحديداً الأميركية، فالسياسة الأميركية حيال سوريا تنطلق من حسابات لا تستهدف تحقيق توافق بين السوريين، إنما بمدى تحقيق ذلك التوافق لمصالحها ومشروعاتها في المنطقة، وهو ما يفسر الإجراءات الأميركية المتلاحقة التي تستهدف عرقلة أي انفتاح إقليمي على سوريا وإغلاق أي نافذة للحل.
ومع ذلك، فإنَّ هناك فرقاً بين مواجهة العقوبات الأميركية بتوافق وطني مدعوم إقليمياً ودولياً، ومواجهتها في وقت تعاني البلاد ما تعانيه جراء غياب التوافق السوري.
وما دامت مؤشرات التوافق السوري تبدو إلى الآن غائبة، فإنَّ أولوية السوريين في الداخل تتركز على الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتخفيف من حدة المشكلات الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد.
معظم النقاشات والتحليلات يتفق على إمكانية فعل الكثير من قبيل:
– استثمار الإمكانيات الوطنية في قطاعي الزراعة والصناعة، وما يتطلبه ذلك من بلورة سياسات عملية داعمة للمزارع والمنتج السوري.
– الاعتماد على رأس المال الوطني في تنشيط العملية الاقتصادية، وتقديم الضمانات والتسهيلات اللازمة لعودة رؤوس الأموال التي خرجت خلال السنوات السابقة.
– التوافق على سياسات اقتصادية بديلة من السياسات الحالية التي أسهمت في تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
– إعادة رسم خريطة المصالح الاقتصادية مع دول المنطقة والعالم للاستفادة من الأسواق المنفتحة على التعاون مع سوريا.
– تفكيك اقتصاديات الحرب التي عادة ما تنشأ وتنمو في زمن الحروب والنزاعات، وفي الدول والمجتمعات.
إنَّ النجاح في تطبيق مثل هذه الإجراءات وغيرها يمكن أن يفضي إلى تحقيق مجموعة من النتائج المهمة مقارنة بالحالة السورية الراهنة ومعطياتها. ومن أهم تلك النتائج:
– استعادة الثقة بالإمكانيات الوطنية والقدرات الاقتصادية.
– زيادة الإنتاج، وتالياً ضبط الاستيراد وزيادة الصادرات (إعادة إنتاج تجربة الثمانينات).
– السيطرة ضمن هامش ليس قليلاً على معدلات التضخم وسعر الصرف والفقر والبطالة.
– تحسين واقع الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
– رفع المستوى المعيشي أو على الأقل وقف التدهور الحاصل فيه حالياً عبر زيادة الدخل وتوفير فرص العمل.
– إعادة استقطاب رؤوس الأموال السورية المغادرة (الموالية للحكومة على الأقل).
– إعادة ربط المناطق الداخلية اقتصادياً.
– زيادة إيرادات الخزينة العامة.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين