عرف صنّاع مسلسل «الزند… ذئب العاصي» (كتابة عمر أبو سعدة وإخراج سامر البرقاوي ــــ قنوات MBC) كيف يقبضون على اهتمام وشغف المشاهد منذ الكلمات المفتاحية للعمل، خصوصاً أغنية شارته ومشهده الأوّل، وليس الأمر مصادفة، بل ثمرة بحث عميق عمّا يشغف المنطقة التي تدور فيها قصة المسلسل والنتيجة كانت بالعتابا. أبيات من العتابا والمواويل التي ترتبط وجدانياً بهذه المنطقة، وهو ما دفع عدداً من المغنّين إلى إعادة تأدية التتر الذي أدّته برهافة مها الحموي. تمكّن المسلسل لاحقاً من إثارة الاهتمام الوافي، خصوصاً أنه يتكئ على نجم ذي حصة إضافية من القبول عند الجمهور وهو تيم حسن. المسلسل الذي تدور أحداثه في زمن الإقطاع ومرحلة الاحتلال العثماني، يروي قصة على ضفاف نهر العاصي. واهمٌ من يعتقد أنّ القصة جديدة على الدراما السورية، سواء من ناحية المفردات، أو البطل الشعبي الذي يتحدّى الباشا ممثل الظلم والجور، ويوقفه عند حدّه، ثم يشكّل تهديداً قوياً له. إذ سبق أن شاهد الجمهور السوري حكاية شبيهة بعنوان «الثريّا» (كتابة نهاد سيريس وإخراج هيثم حقي، بطولة جمال سليمان وخالد تاجا وسوزان نجم الدين) لكنّ «الزند» يُعيد هنا طرح الحالة الحكائيّة، بصيغة مشابهة مع انفراده الصريح من ناحية الوفرة الإنتاجية، وبناء الهوية البصرية الجذابة، وتطويع التقنيات الحديثة، وتكريس علم الصورة بمفهومه المعاصر.
ad
تيم حسن ودانا ماردينا في المسلسل
البناء الشكلي لديكورات المسلسل واستقدام المرحلة محكم، يوازيه بحث يتحقق على مستوى الملابس، لينسجم مع بناء درامي على مستوى القصة والحوار والأداء التمثيلي البارع. الحكاية ربما تقدّم بطلاً واحداً هو عاصي الزند الذي يُقتل أبوه على يد رجال الباشا في ليل حالك، فينتقم ويفقأ عين قاتل والده ويهرب ليخدم في العسكر السلطاني. وعندما يعود، يكون وريث الباشا الشاب الوسيم نورس باشا قد أحكم السيطرة على أرض الرجل وكل المنطقة. ولدى محاولته المطالبة بحقه، يوضع في مكان يضطر فيه للهرب مع شقيقته وأولادها، قبل أن يتحول مع شباب قرية متمرّدة لإدارة حركة ثورية في وجه الظلم، سرعان ما تتحوّل إلى استرزاق وبلطجة وقطع طرق. اللافت هو الأقطاب المتنافسة على مستوى الأداء. نحن هنا أمام مجموعة ممثلين بارعين يتنافسون في التجسيد… تيم حسن المعروف بسرّ الكاريزما الطافحة التي يجود بها، واجتهاده التمثيلي الدائم في مواجهة أنس طيّارة الذي يبدي مقدرات بارعة، وتحكّماً مهولاً في القبض على روح الشخصية، وفايز قزق المعلّم المتجدّد، يجبر الجمهور على متابعة سويته الأدائية الساحرة بشغف. كذلك، يقنع باسل حيدر مشاهديه ويشعرهم أنه أمضى حياته وكيلاً للباشا. وينجح مجد فضة في صوغ حالة تمثيلية ملفتة، فيما لا يقصّر كل من جابر جوخدار وتيسير إدريس وعلاء الزعبي والآخرين.
ad
نحن أمام استعراض درامي جمالي، وأداء محكم، وقصة متصاعدة ودراما وازنة على أكثر من صعيد، لكنّ الأسئلة النقدية المطروحة تبدأ من اللهجة الضائعة تماماً غير المعروفة لأي بيئة جغرافية تنتمي بالضبط، خصوصاً أنّ لهجة أهل تلك المناطق تختلف في ما بينها، إلى جانب فكرة التنقّل السحرية التي تتم دائماً بين القرى والضيع بسهولة بالغة. نحن أمام متمرّد ملاحق من كل العسكر يسهل لحبيبته السابقة أن تصل إليه، كما يُتاح لخصومه العثور عليه ببساطة، عدا عن تقديم البطل بدون قضيّة حتى ولو كانت قضية الدفاع عن نفسه وأهله. ما يدلّ على ذلك أنّه يتخفى بعد مقتل أبيه ويعود من دون أن يأتي على ذكر أبيه حتى الحلقة العاشرة، فيما يتحوّل لاحقاً إلى قاطع طريق ويرد على عمّته بأن كل المال في هذا العالم مغمّس بالدم، عدا عن علاقته المربكة بالأنثى أصلاً، إذ لا نفهم سبب جلافته مع حبيبته السابقة، ولا نلتقط إعجابه بالممرضة (دانا ماردينا)، إضافة إلى تقديم شخصية شقيقته عفراء (نانسي خوري) بصيغة ثانوية تماماً، لا تملك أي فعل خلال مشوار يمتد على مدار ثلث المسلسل. إذ ظلت ببنيتها، وخطها السردي، ومساحة فعلها، مجردة تماماً من كل أسلحتها بمنأى عن أي تدخل في جوهر الحدث، بقصد أن تكون فقط ذريعة للبطل الرئيسي.
ad
استعراض جمالي، وأداء محكم، وقصة متصاعدة ودراما وازنة
كان ممكناً افتراض الحكاية على أنها متخيّلة بالمطلق، لتخليصها من بُعدها التوثيقي، وإعفائها من أي ملاحقات تاريخية، في ما يخص الكثير من الأفعال والتفاصيل مثل النزال بالبلاطات، أو فكرة الهجرة إلى أميركا، ومعرفة نيتشه في عالمنا العربي. إضافة إلى ذلك، يمكن القول بأن الدراما بحسب أصولها ومرجعيتها تحتاج إلى صراع واضح بين الخير والشرّ، وعندما يتحوّل الصراع بين شرّ وشرّ يجب أن يحمل أحد الطرفين منظومة أخلاقية معينة، وقيماً واضحة كما حصل مثلاً في فيلم «العرّاب» عندما كنا أمام صراع مافيا مع السلطة، أي صراع طرف شرير مع آخر مثله، لكن كنا أمام طرف مافيوي يحمل قيماً معينة ومنظومة ما، فيما يعجز «الزند» حتى اللحظة عن تبني قيم وصيغة أخلاقية محددة تجعل الجمهور نصيره ولو تحوّل إلى قاطع طريق.
ad
في كلّ الأحوال، ما سبق مجرّد نقاش نقدي، لا يقلل من أهمية العمل ومكانته المتقدمة جداً في المشهد الرمضاني باعتبار أنه مسلسل الموسم بدون منازع!
* «الزند… ذئب العاصي»: على «mbc دراما» (س: 17:00) و«شاهد» (قبل العرض التلفزيوني)
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية