أكثر ما يلفت النظر في مذكّرة التفاهم التي جرى التوقيع عليها في «قمّة العشرين» في نيودلهي، لإنشاء ممرّ اقتصادي يربط الهند بأوروبا عبر الخليج، بمشاركة الولايات المتحدة كطرف راعٍ ومستثمر، هو التهليل الإسرائيلي للحدث، لكون ذلك الممرّ سيعبر في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ومن ثمّ إلى أوروبا بحراً. وبمعزل عن الوظيفة الاقتصادية لهذا المشروع، ومدى فائدته للدول والجهات الموقّعة، وهي الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، وبمعزل عن إمكانية تنفيذه من عدمها، إلّا أن ثمة وظيفة تطبيعية له، تقف وراء الحماسة الإسرائيلية والأميركية تجاهه. فمنذ لحظة التوقيع، توالى صدور البيانات والتعليقات الإسرائيلية، بدءاً من رأس الهرم، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، للترحيب به، كما نشر بعض المسؤولين الإسرائيليين خريطة تُظهر مسار الخطّ، وهو يمرّ في فلسطين المحتلّة، بعد أن ينطلق من الهند بحراً إلى الإمارات، ثمّ برّاً إلى السعودية، ومنها إلى الأردن وفلسطين المحتلّة عبر خطّ سكّة حديد، ثمّ بحراً وصولاً إلى اليونان، ومنها إلى أوروبا برّاً.

والسعودية التي ما زالت تمانع التطبيع السياسي وإقامة علاقات رسمية مباشرة مع العدو لأسباب تتعلّق بتركيبتها الداخلية وموقعها الإقليمي، لا تمانع التطبيع الاقتصادي، بل تتحمّس له، وكثيراً ما تحدّثت تقارير عن زيارات لرجال أعمال إسرائيليين إلى المملكة. ولذلك، لا يبدو أن لدى حكامها الحاليين اعتراضاً على عبور «الممرّ الهندي» أراضيهم إلى فلسطين، وهو ما يتحدّث عنه نتنياهو منذ زمن. وهذا هو مغزى الكلام الإسرائيلي المتكرّر عن أن التطبيع مع السعودية يحتاج إلى وقت. وبحسب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي أجرى هذه المرّة مصافحة، لا ضرب قبضات، مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال قمّة نيودلهي، فإن المشروع سيسهم في تطوير وتأهيل البنى التحتية، وربط الموانئ، وزيادة مرور السلع والخدمات، وتعزيز التبادل التجاري بين الدول الموقّعة، وأيضاً مدّ خطوط أنابيب لتصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين لتعزيز أمن إمدادات الطاقة في العالم.

في المقابل، لا يمكن أيضاً إلّا وضع ذلك المشروع في سياق التنافس بين أقطاب العالم، الذين يسعى كلّ منهم إلى اجتذاب أكبر عدد من الدول الأخرى إلى صفّه، في محاولة لتعزيز جبهته في هذا الصراع. لذا، لم يكن صدفة غياب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن قمّة نيودلهي؛ ففي رأس الأخير خريطة مستقبلية مختلفة للعالم، وإن كانت تشمل بعض الدول الموقّعة على الممرّ الاقتصادي الجديد، كالسعودية والهند وغيرهما. كما لا يمكن، في قراءة ما جرى في نيودلهي، إلّا المقارنة مع مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقها شي جين بينغ قبل سنوات، مع ملاحظة أن نطاق المبادرة الصينية أوسع بكثير، والاستثمارات التي تمّ ضخها بالفعل فيها، أضخم بما لا يقاس من تلك التي ستُستثمر في المشروع الجديد، والتي تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، 20 مليار دولار من السعودية، وهو مبلغ متواضع لهذا النوع من المبادرات.