رامي الشاعر
في مفاجأة من العيار الثقيل، وقعت السعودية وباكستان اتفاقية “الدفاع الاستراتيجي المشترك” يوم أول أمس الأربعاء.
أثارت الاتفاقية زوبعة من التكهنات والتحليلات بشأن سعي المملكة لبناء “مظلة ردع نووي”، استنادا إلى قدرات إسلام أباد العسكرية.
تأتي تلك التطورات مباشرة عقب القمة العربية الإسلامية التي أوصت بإعادة تقييم معاهدات السلام الموقعة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، والوقف الفوري لأي إجراءات تطبيعية تقوم على إعدادها بعض دول الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي مع الكيان الإسرائيلي.
تأتي التطورات كذلك بعد اجتماع استثنائي هام لمجلس الدفاع المشترك بمجلس التعاون الخليجي دان بأشد العبارات العدوان الإسرائيلي على الدوحة، وأكد على أنه يمثل تصعيدا خطيرا ومرفوضا ومخالفة جسيمة لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأصدر قرارا بزيادة تبادل المعلومات الاستخبارية وتسريع أعمال فريق العمل المشترك لمنظومة الإنذار المبكر ضد الصواريخ البالستية، وتحديث الخطط الدفاعية المشتركة بالتنسيق بين القيادة العسكرية الموحدة ولجنة العمليات والتدريب لدول المجلس، وتنفيذ مناورات مشتركة بين مراكز العمليات الجوية والدفاع الجوي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
تأتي القمة الروسية العربية (المزمعة في 15 أكتوبر المقبل) في هذا التوقيت بالتحديد وعقب ما يمكن أن يتمخض عنه “مؤتمر حل الدولتين” المزمع انعقاده على هامش افتتاح الدورة الثمانين من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تعتزم فيه أغلبية الدول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مقابل ما تعلنه إسرائيل من “إجراءات أحادية” على الجانب الآخر لضم الضفة الغربية، والذي أعلنت الإمارات إنها ستواجهه بسحب السفير أو خفض مستوى العلاقات.
أولا: يجب علينا إدراك أن خطوة مثل “اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك”، والتي تنص على أن أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما، لا يمكن أن يكون وليد اللحظة، أو وليد العدوان على قطر، وإنما هو، فيما أظن وأعتقد، نتاج شراكة تاريخية ممتدة وتفكير عميق متأن بشأن مستقبل المنطقة.
فالولايات المتحدة خلال العقد الأخير أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها غير ذات موثوقية في الدفاع عن دول الخليج، في الوقت الذي أثبت فيه الغرب، في خضم الصراع الأوكراني، عدم موثوقيته بالكامل فيما يتعلق بازدواجية المعايير، وعدم طهارة اليد (تجميد 300 مليار دولار للبنك المركزي الروسي والسطو على عائداتها، ومحاولات مصادرتها)، وتدهور مستمر في المؤسسات الغربية، على خلفية انصياع كامل للوبي الإسرائيلي، وتصدير الرواية اليمينية المتطرفة لحكومة بنيامين نتنياهو كحقائق لا تقبل الجدل، واتهام كل مناهض للإبادة الجماعية في غزة أو أي عدوان إسرائيلي بـ “معاداة السامية”.
ثانيا: موقف موسكو، وعلى مدار عقود، ثابت وواضح بشأن القضية الفلسطينية وسائر قضايا الشرق الأوسط.
ثالثا: لا ترغب روسيا من قمتها العربية الروسية في القيام بأي تأثير على البلدان العربية لتغيير أو تعديل سياساتهم، لأنها شأن من شؤون سيادة الدول التي تحترمها وتتفهمها موسكو.
لكن العالم يتغير أمام أعيننا بديناميكية متسارعة يحتم على الدول اتخاذ قرارات مصيرية في وقت حرج وقصير، واستنادا إلى متغيرات وتحديات هائلة، لهذا تأتي مبادرة الرئيس بوتين للقاء القادة العرب في موسكو في وقتها تماما، لمناقشة مستقبل هذه المنطقة الحيوية المؤثرة بشكل كبير على استراتيجيات وخطط روسيا المستقبلية، لا سيما في ظل التحول الواضح لروسيا في السنوات الأخيرة نحو الصين وآسيا الوسطى وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
إن المرحلة الحساسة التي يمر بها كوكبنا تتطلب لقاءات من هذه النوعية لتوضيح الرؤية (سواء الروسية أو العربية) والخيارات المتاحة لمجابهة التحديات التي تواجه المنطقة والعالم، ذلك أن التفاعل والتعاون بين روسيا والعالم العربي يضرب بجذوره في عمق التاريخ، والتبادل التجاري وكذلك الواقع الجيوسياسي الراهن يلعب دورا هاما في الأمن القومي لروسيا والعالم العربي على حد سواء.
وأعتقد أن الدول العربية في أغلبيتها تتفهم وتؤيد كل الجهود التي تبذلها الصين وروسيا والهند ومنظمة شنغهاي للتعاون ورابطة “بريكس” باتجاه الانتقال إلى عالم التعددية القطبية الذي سيؤثر بالتأكيد على العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
فأوهام السيطرة والهيمنة الأحادية، والتي تستند إليها القوة الغاشمة في إسرائيل، وتنطلق منها غطرسة الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، إلى زوال، وهو ما سيعزز الأمن والاستقرار وسيدفع نحو عدالة النظام الاقتصادي والمالي.
إن فكرة تشكيل حلف عسكري عربي/إسلامي على غرار “الناتو” تأتي من باب “رد الفعل” لا “الفعل”، وعربدة إسرائيل في المنطقة تدفع القوى المختلفة في المنطقة إلى الاتحاد في مواجهة هذه التهديدات. ومواقف الدول العربية وشعوبها واضحة ومبنية على الرغبة في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية والالتزام بميثاق الأمم المتحدة.
مرة أخرى، روسيا لا تسعى لبناء تحالفات ولا تكتلات أمنية، وإنما تسعى إلى إعادة هيبة الأمم المتحدة واحترام ميثاقها وقراراتها ومؤسساتها.
ما أتمنى أن يطرح خلال القمة الروسية العربية منتصف أكتوبر المقبل هو إعادة تشكيل مجلس الأمن الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة بحيث تمثل التوازنات الحقيقية للمجتمع الدولي، وليس توازنات نتائج الحرب العالمية الثانية ومرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وربما إعادة النظر في حق النقض “الفيتو” وحيثيات ومسوغات استخدامه.
أعتقد أن هذا من شأنه أن يعيد للأمم المتحدة اعتبارها وهيبتها ووزن قراراتها في حل المشكلات الدولية وضمان الأمن والسلام العالميين.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم