أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير بسام صباغ أن تسييس عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والممارسات السلبية لها حيال سورية قوضا مهنية عملها وأفقدا الثقة في حياديتها واستقلاليتها، الأمر الذي سمح لدول غربية باستخدامها منصة لاستهداف سورية، مشدداً على وجوب إعادة المنظمة إلى طابعها الفني وإبعادها عن التسييس وتصحيح مسار عملها لتتمكن من القيام بولايتها على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الحظر.
ولفت صباغ في بيان اليوم خلال جلسة لمجلس الأمن بصيغة “آريا” بعنوان: “المخاطر الناشئة عن تسييس أنشطة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” إلى أهمية هذه الجلسة في تسليط الضوء على المنعطفات الخطيرة في سير عمل المنظمة والتي أبعدتها عن تنفيذ المسؤولية التي أوكلت إليها كأداة لضمان التنفيذ الفني والمهني والمحايد والمستقل لجميع أحكام اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، مبيناً أن تجربة سورية خلال السنوات العشر الماضية من العمل مع الأمانة الفنية لمنظمة الحظر شهدت أحداثاً غير مسبوقة في تاريخ المنظمة، وكشفت عن الكثير من الممارسات السلبية التي ينبغي للدول الأعضاء فيها التنبه إليها ومراجعتها وعلى الأمانة الفنية تصحيح مسارها.
وأشار صباغ إلى أن من بين هذه الممارسات السلبية عدم احترام الأطر الناظمة للعمل والمتمثلة في أحكام اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية أو الوثائق المرجعية التي تم الاتفاق عليها بين سورية والأمانة الفنية للمنظمة بشأن عمل فرق المنظمة المختلفة في سورية، إضافة إلى اتباع طرائق عمل خاطئة ومعايير مزدوجة أثناء القيام بالعمل وببعض التحقيقات دون إعلام سورية الدولة الطرف في الاتفاقية، ما أدى إلى ارتكاب الكثير من المخالفات الخطيرة والعيوب الجسيمة، وخاصة ما يتعلق بجمع الأدلة والعينات والحفاظ على سلسلة حضانتها وإفادات الشهود والسجلات وأسماء الضحايا وغيرها، فضلاً عن انعدام الشفافية عبر التذرع بالسرية بطريقة انتقائية والاعتماد على المصادر المفتوحة والتعامل مع التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم “الخوذ البيضاء” ذراع “جبهة النصرة” الإرهابي المصنف من قبل مجلس الأمن على قوائم الإرهاب.
وبين صباغ أن من بين الممارسات السلبية أيضاً الانتهاكات المتكررة للسرية وتسريب المعلومات من داخل المنظمة إلى وسائل الإعلام وإلى دول غير أطراف، إضافة إلى تخريب الأدلة والعينات داخل مختبرات المنظمة والابتعاد عن الطابع التوافقي في اتخاذ القرارات داخل المنظمة والسماح بالتلاعب بنصوص الاتفاقية وولاية عمل الأمانة الفنية واختراع مهام غير منصوص عليها في الاتفاقية والتجاوز الواضح لولاية مجلس الأمن، إضافة إلى إصدار تقارير تتضمن استنتاجات غير علمية أو غير مهنية أو غير قاطعة ولا تستند إلى أدلة وقرائن ملموسة، علاوة على صياغة تقاريرها بطريقة غير مهنية تركز على السلبيات وتغفل وتتجاهل أي إيجابيات أو تقدم محرز وتشكك بكل ما تقدمه سورية، وهذا السلوك جعل من تقاريرها منحازة وغير موضوعية.
وأكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن مجمل تلك الممارسات السلبية قوض مهنية العمل الذي تقوم به المنظمة وأفقد الثقة في حيادية واستقلالية عمل الأمانة الفنية فيها وقضى على مصداقية التقارير التي تصدرها الأمانة وأدخل منظمة فنية في دائرة كبرى من التسييس سمحت لبعض الدول الغربية باستخدامها منصة لاستهداف دولة طرف هي سورية.
وفيما يتعلق بالمسائل المتعلقة بعمل فرق المنظمة ذات الصلة بسورية أوضح صباغ أنه تم إنشاء “فريق تقييم الإعلان” لمساعدة سورية في ضوء الإطار الزمني القصير والضاغط لإعداد سورية إعلانها الأولي، فضلاً عن ضعف خبرتها في بداية انضمامها بإعداد هذا الإعلان، إلا أن هذا الفريق خرج عن ولايته وتحول إلى إجراء تحقيقات ليست من ولايته، لافتاً إلى أن اللجنة الوطنية السورية يسرت عمل الفريق وعقدت معه 24 جولة مشاورات على مدى السنوات التسع الماضية ومارست الانفتاح والشفافية، إذ سمحت له بجمع عينات وإجراء مقابلات مع معنيين على اعتبار أن ذلك يمكن أن يساعد في إغلاق المسائل العالقة بأسرع ما يمكن، وهي تدعو هذا الفريق لإجراء جولة المشاورات الـ 25، وتطالب الأمانة الفنية للمنظمة بعدم تعطيل عمله ووضعه رهينة لمنح تأشيرة دخول لخبير واحد لدى سورية تحفظ على سلوكه ولدى المنظمة الكثير غيره.
وبين صباغ أنه تم إنشاء “بعثة تقصي الحقائق” بالاتفاق بين اللجنة الوطنية والأمانة الفنية بموجب رسائل متبادلة ووثيقة شروط مرجعية، إلا أن هذه البعثة لم تتقيد بها وبطرائق العمل المهنية، الأمر الذي أدى إلى التوصل إلى نتائج تحقيقات غير دقيقة وفي حالات كثيرة تم التلاعب بها، وخير مثال على ذلك تقرير الحادثة المزعومة في دوما والذي جاء بعد أن أصدر كبار مسؤولي المنظمة تعليمات لبعثة تقصي الحقائق بحذف تقارير لمفتشين حققوا على الأرض وأجروا دراسة هندسية وتحليلا علميا وتوصل تقريرهم إلى نتيجة أن الهجوم في تلك الحادثة كان مجرد مسرحية معدة مسبقاً وتم لاحقاً الاستعاضة عن هذا التقرير بتقارير غير علمية وغير منطقية.
وأشار صباغ إلى إنشاء “آلية التحقيق المشتركة” بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2235 بتاريخ السابع من آب لعام 2015 لتحديد مرتكبي الهجمات بأسلحة كيميائية التي أكدتها تقارير بعثة تقصي الحقائق، حيث تعاونت سورية انطلاقا من حرصها على تحديد مسؤولية مرتكبي الهجمات مع تلك الآلية وكان تعاملها مع حادثة خان شيخون أبرز مثال على تسييس عمل تلك الآلية، موضحاً أن الولايات المتحدة تذرعت بحادثة خان شيخون للقيام بعدوان عسكري على مطار الشعيرات ولهذا طالبت سورية تلك الآلية بالتحقيق سعياً منها لكشف الذرائع الأمريكية بشن هذا العدوان، وكان من المفاجئ أن رئيس الآلية بعد أن استجاب إلى إلحاح سورية بزيارة الشعيرات رفض أخذ العينات رغم وصوله إلى الموقع، ما أثر سلباً على مصداقية الاستنتاجات التي قدمتها الآلية وكانت سبباً بعدم تجديد ولايتها في مجلس الأمن في عام 2017.
ولفت مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة إلى أنه بعد الفشل في تمديد “آلية التحقيق المشتركة” عملت الدول الغربية على إنشاء ما يسمى “فريق التحقيق وتحديد الهوية” من خلال التلاعب بنصوص اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وبموافقة أقل من نصف عدد أعضاء المنظمة وبما يتجاوز ولاية منظمة الحظر التي لا يدخل فيها إسناد المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية، ولهذه الأسباب فإن سورية إلى جانب العديد من الدول لم تعترف بشرعية هذا الفريق ولا بمخرجاته، مبيناً أن هذا الفريق أصدر تقريره حول الحادثة المزعومة في دوما وتوصل إلى مزاعم ونتائج غير صحيحة، الغرض منها فقط تبرير العدوان الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بعد أيام من مزاعم وقوع حادثة دوما في عام 2018.
وجدد صباغ التأكيد على إدانة سورية القاطعة لاستخدام الأسلحة الكيميائية في أي زمان ومكان من قبل أي كان وتحت أي ظروف، وبأنها لم تستخدم هذه الأسلحة مطلقاً، وأنها أساساً لم تعد تمتلك أي نوع من الأسلحة الكيميائية، مشيراً إلى أن سورية عندما اتخذت قراراً استراتيجياً وطوعياً للانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية تعاملت مع منظمة الحظر بكل انفتاح وشفافية حتى قبل تاريخ دخول هذه الاتفاقية حيز النفاذ بالنسبة لها، ما قاد إلى تدمير جميع مخزونها الكيميائي بوقت قياسي، إلا أنها تفاجأت لاحقاً بحجم التسييس في هذا الملف وبأن بعض الدول الأعضاء كانت تحشد وتتحضر لاستخدام هذا الملف ضدها، الأمر الذي يتطلب إعادة المنظمة إلى طابعها الفني وإبعادها عن التسييس وهي مسؤولية جميع الدول الأعضاء فيها لتصحيح مسار عملها وجسر الانقسام فيها والعودة إلى الطابع التوافقي، بما يمكنها من القيام بولايتها بشكل فعال على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الحظر.
سيرياهوم نيوز 4_سانا