الرئيسية » ثقافة وفن » السفير كمال بوشامة يقدم الأمير عبد القادر الجزائري بصورة علمية … الأمير غير معروف في بلده لكوننا لم ندرس تاريخنا ولم نتمعن ونتعمق في مراحله!

السفير كمال بوشامة يقدم الأمير عبد القادر الجزائري بصورة علمية … الأمير غير معروف في بلده لكوننا لم ندرس تاريخنا ولم نتمعن ونتعمق في مراحله!

| إسماعيل مروة

 

تعدّ شخصية الأمير عبد القادر الجزائري، رحمه الله، من أهم الشخصيات الجزائرية والعربية والإنسانية في زمانها، ومن الشخصيات النادرة التي استمر أثرها، ولا تزال موضع إجلال وتقدير ودراسة إلى يومنا هذا.. ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الجديد الصادر في دمشق للسفير والباحث الجزائري كمال بوشامة الذي وضع على عاتقه مهمة جليلة، وقام بها خير قيام محاولاً مناقشة حياة الأمير عبد القادر والإشكالات التي كانت حول شخصه، وبذل جهداً وطنياً كبيراً في توضيح ما خفي عن العامة من حياة الأمير ونضاله، وأوضح ما وقع به الباحثون في قراءة حياة الأمير المجاهد ومواقفه، فأعاد السفير بوشامة رحلة الأمير إلى واجهة العناية والدراسة، والقصد من هذه الدراسة، التوثيق، وجلاء ما خفي عن الباحثين، وكشف ما حاوله المغرضون «إن كل التلاعبات العثمانية والفرنسية لا يمكن أن تؤثر فيهم، سواء أكانوا أمراء أم مواطنين بسطاء، وقد يوضح ذلك أن الروح القومية التي تنشطهم جميعاً والتي قربتهم من وطنهم على الرغم من المسافة التي تفصل بينهم».

 

الأمير وأبعاد الشخصية

 

نفي كثيرون وهاجر كثيرون، سواء كانوا من العامة أو من العلماء، لكنهم تركوا آثاراً محدودة بين الخاصة، وربما خاصة الخاصة، أما الأمير المجاهد عبد القادر فقد ترك أثره في كل طبقات المجتمع، اعتباراً من الإنسان البسيط الذي لا ثقافة لديه، وصولاً إلى العلماء والأدباء، مروراً بالسياسيين وطبقاتهم على اختلاف ميولهم وتوجهاتهم، والأسباب التي جعلت الأمير في هذه المكانة ليست واحدة، فهي لا تكتفي برحلته الكفاحية الوطنية على أهميتها، وليست محصورة بدور اجتماعي يردده الناس وقد قارب الأسطورة في قراءته وتحليله، ولكن الأمير أخذ هذه المكانة لأسباب عديدة من الصعب أن يتم حصرها، ولكن يمكن أن توزع إلى فروع:

 

– الجانب الكفاحي ضد المستعمر الفرنسي، وما نتج عنه من نفي طويل انتهى بدمشق.

– ارتباط نفي الأمير بصحبه من الجزائريين المقاومين الذين شاركوه رحلة النفي، وشكلوا مجتمعاً ممتزجاً بالمجتمع الدمشقي.

– الجانب الأدبي، وقد كان الأمير أديباً بارعاً وشاعراً، وله مشاركات معروفة ومذكورة في كتبه وكتب معاصريه.

– الاهتمام الديني والصوفي الذي عرف به، ونتج عنه كتابه (المواقف) الذي يظهر عمق رؤيته وموسوعية علمه.

– الجانب الاجتماعي الذي يستند إلى حالة من اليسار المادي الذي يجب أن نوليه أهمية، ما أعطى الأمير مكانة خاصة، وقدرة على التأثير الاجتماعي وحل المشكلات.

– التواصل مع العالم الخارجي وعلاقاته مع الغربيين، فلم يكن منعزلاً وبعيداً عن العالم ومؤثراته.

هذه جوانب من أهمية شخصية الأمير، لابد من التقديم بها، لأن قارئ كتاب (الأمير عبد القادر وجزائريو بلاد الشام) للأديب السفير كمال بوشامة سيجد أن الكاتب أخلص إخلاصاً شديداً وحميداً ومشكوراً لجلاء جوانب من شخصية الأمير، وبسبب الانتماء الوطني الجزائري فقد عمل الكاتب على وضع كثير من الإشكالات، وعمل على تفنيدها، وهذه الأمور قد لا يعرفها كثير من القراء في سورية، لأن السوريين احتفظوا بشخصية الأمير عبد القادر الجزائري في مكانته من الإجلال والتقدير، ولم يفكر واحد بأن يتوجه إلى الأمير بأي أمر، حتى أمر الماسونية والانتماء إليها، فقد وضعها السوريون، ومنذ البداية في سياقها التاريخي والخيري ولا شيء غير ذلك.

 

الكتاب والفصول والغاية

 

يقدم للكتاب د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب فيقول: «في كتاب عبد القادر الجزائري في بلاد الشام للكاتب والسفير الجزائري كمال بوشامة إضاءات مهمة للغاية لابد من التنويه بها والسعي لإحلالها في الذاكرة، بدلاً مما علق بها من تشويه متعمد لشخصية فذة كان لها وما زال، موقعها بين رموز الأمة».

 

والإشارة واضحة من أن الغاية الأساسية تقديم صورة موثقة بقلم جزائري خبير يجلو الصورة المشرقة لهذا المناضل الفذ على مستوى الأمة، والكاتب بعد مقدمته يطرح سؤالاً يفتتح به الجزء الأول: إلى متى سيواصل شبابنا تجاهله لملحمة عظيمة، ملحمة أولئك الجزائريين، أسلافنا الشرفاء الذين يجب أن تستمر حياتهم المثالية، ويستمر إرثهم المعنوي والمادي برعاية أجيالنا الحاضرة والمستقبلية؟

 

جاء الكتاب في ستة عشر قسماً، وكل قسم تناول قضية:

 

الجزء الأول قدم توصيفاً لملحمة عبد القادر الجزائري ورفاقه المناضلين ليربط الحاضر بالماضي.

 

في الجزء الثاني يجلو حقيقة الأمير عبد القادر ويدافع عن مواقفه، ويستنكر أنه غير معروف لدى ناشئة بلده، لأنهم لم يتمعنوا التاريخ بمختلف مراحله «الأمير عبد القادر لم يستسلم كما جاء في التاريخ المزيف وحتى الكتب المدرسية في الجزائر، وهي عبارة مثيلة بالسم تعطى لأطفالنا».

 

الجزء الثالث يتابع هجرة الأمير ونفيه حتى وصل إلى الشام مع أصحابه، الجزء الرابع وأحداث 1860 في دمشق وبيروت، ويذكر المؤلف «أنقذ الأمير تقريباً 15000 نسمة ووضعهم تحت حمايته في قصري دمر المطل على وادي بردى، والعمارة الكائن بجوار الجامع الأموي، فلجأ المسيحيون إلى كرم ضيافته وقد كانوا كثراً..» وقد كان هذا الموقف المشهود من الأمير موقفاً دينياً ووطنياً، وشاركه فيه كثير من السوريين المسلمين، ولا يحتاج إلى أي دفاع، لأنه واجب ديني بالدرجة الأولى أمام ما حدث ومهما كانت الأسباب.

 

وفي الجزء السادس يتابع المؤلف سرد أحداث ما جرى عام 1860م ودور الأمير والجزائريين.

 

الجزء السادس: يتناول فيه إشكالية العلاقة بين الأمير والمستعمرين الذين يحتلون بلده، وهم يريدونه ملكاً في بلد آخر «رفض الأمير عبد القادر الاقتراح بأن يوليه ملكاً على بلاد الشام والدافع الذي جعله لا يقبل هذا العرض بل الحقيقة هي أنه بصفته جزائرياً لمْ يتقبل أن بلده يعاني شرّ ما يعانيه تحت الاحتلال الفرنسي، وأن المستعمرين أنفسهم هم الذين اقترحوا عليه مشيخة بلد آخر عربي ومسلم».

 

الجزء السابع تناول دوره التنويري والمعرفي والتعليمي بين أفراد الجالية الجزائرية، وفي سورية كلها وهنا يذكر الجانب التربوي للشيخ بدر الدين الحسني ومدرسة الحديث.

 

الجزء الثامن: يتناول رؤية الأمير الحداثية التنويرية وعلاقته بالحداثة من خلال علاقته بفرديناندولسيبس ورؤيته لقناة السويس «يحلم برؤية الأمة العربية بعيدة عن خمودها، وأن تذهب نحو التقدم والتنمية».

 

الجزء التاسع والعاشر: يتناول إشكالية انتماء الأمير للماسونية، ويؤكد المؤلف أن الماسونية يومها كانت كأي جمعية خيرية في حينها، ليس عند الأمير وحده بل عند النخبة الفكرية والسياسية والدينية التي انتظمت فيها، ويأتي على ذكر كتبه وما دار حولها من نقاش، وخاصة كتاب (المواقف).

 

الجزء الحادي عشر تناول الجوانب الثقافية والأدبية عند الأمير، وزودنا بشيء من شعره.

 

من الجزء الثاني عشر وحتى نهاية الكتاب يتابع المؤلف حديثه عن الأمير عبد القادر بعد رحيله، ثم يتابع الحديث عن أسرته وأعمال الأمراء، ومن ثم جهود الجزائريين في كل ميدان.

 

المواقف وتدوين الأمير

 

كتاب «المواقف، في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف جاء المؤلف السفير كمال بوشامة على ذكره وذكر مخطوطه، وقد طبع الكتاب أكثر من مرة طبعات غير كاملة، وطبع في دمشق بتحقيق الصديق الدكتور بكري علاء الدين في ثلاثة مجلدات محققاً تحقيقاً علمياً متقناً، والكتاب تحفة فكرية ودينية وصوفية، وفيه يضيف الأمير على اسم عرف في التراث لمؤلفين قدامى، وأذكر أنني عندما اطلعت على الكتاب تحدثت عنه، وتمّ التواصل بيني وبين الأميرة بديعة حفيدة الأمير التي لها رأي في الكتاب ونسبته لجدها الأمير.. ولعلّ السبب هو في طريقة تناوله وقراءته المتأثرة بالصوفية وبابن عربي تحديداً..

 

وقد جمع الدكتور بكري في دراسته العلمية الآراء العديدة عن تأثر الأمير بالفتوحات المكية لابن عربي، وقد أكد ذلك باحثون كثر، فإن كان منهج ابن عربي صعب الفهم لدى كثيرين ومرفوضاً لدى بعضهم، فهذا لا يعني خروجه عن الأصول، والتبرؤ من كتاب المواقف ونسبته للأمير ويذكر للمؤلف حديثه عن كتاب (المواقف) وديوان الأمير، وللحق فإن كتاب المواقف، وخاصة في طبعته المحققة للدكتور بكري يعد كنزاً عرفانياً ومعرفياً، ولنأخذ مثالاً (قال تعالى: ابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله). في الآية إشارة إلى سلوك طريق المعرفة عنه عند القوم بمقام التوبة الذي هو الأساس لسلوك الطريق، والمفتاح للوصول لمقام التحقيق، ممن أعطيه أعطي الوصول، ومن حرمه حُرم الوصول».

 

جهد يستحق الشكر والمتابعة

 

قرأت الكتاب قراءة متأنية، وهو جهد كبير لمؤلفه السفير كمال بوشامة الذي أعطاه الكثير من وقته وجهده، على الرغم من ضغط العمل الدبلوماسي، ولكن مثل هذا الكتاب وعن شخصية بهذا الوزن التاريخي للأمة العربية وللجزائر يعد من أهم مهمات الواجب الوطني والقومي، وقد جلا المؤلف صوراً كثيرة كانت غائبة حقاً عن الصورة التي يتم نقلها للأجيال عن الأمير والمجاهدين الآخرين، وفي إطار الماسونية والمراسلات وما يتعلق بها قدّم المؤلف صورة واضحة وشاملة لكل ما يتعلق بالأمر، وكيف كان ينظر مجتمع النخبة إلى المحافل في الشرق والغرب، وذلك قبل أن يرتبط اسمها بالصهيونية وما يتعلق بها.. وقد أضاف المؤلف فكرة مهمة وهي غير معروفة لدى كثيرين عن علاقة الأمير بقناة السويس والخديوي وديلسيبس وبيّن رأيه من الحضارة والعلم، وبذلك يعرف القارئ أن الأمير لم يكن منفياً، وله مشاركات بعلوم دينية وحسب، وإن كان كثيرون من أصحابه وأبنائهم أكثر ميلاً للعلوم الفقهية والدينية كما يذكر.

 

وأخيراً

 

مع الإكبار لكل الجهد، إلا أن الحديث عن جزائريي بلاد الشام كان بحاجة إلى إعادة نظر وتبويب، فقد غاب كثيرون ولم يأت على ذكرهم وذكر إسهاماتهم، وفي الوقت نفسه أخذ بعضهم صفحات عديدة لا تناسب حجم الكتاب، وأقترح أن يتم إحصاؤهم بدقة، وأن تصنع لهم ترجمات متقاربة في الحجم، فالدكتور مازن المبارك أستاذنا في جامعة دمشق لم يرد له ما يستحقه وهو عالم ومجمعي، بينما ذكر أخوه أستاذ التاريخ هاني المبارك، وهو مدرس جليل تلقيت على يديه التاريخ العربي..

 

إعادة إحصاء وترتيب فيما يخص أسرة الأمير وأحفاده، وفيما يتعلق بالجزائريين وإسهاماتهم.

 

كتاب (الأمير عبد القادر وجزائريو بلاد الشام) تأليف الأكاديمي والدبلوماسي كمال بوشامة يعد إضافة مهمة للمكتبة العربية والمكتبة الجزائرية بتاريخها ومقاومتها للمستعمر، وجولاتها في الآفاق.. فألف شكر لهذه الإضاءة المميزة والإنصاف لبلاد الشام وتاريخها..

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ماغي بو غصن وجيسي عبدو تناديان اللبنانيين لمساعدة النازحين … عاصي الحلاني: «العيون تنظر إلى لبناننا» وحلا شيحة: فخورة بأمي الجنوبية

    | وائل العدس   تقديم المساعدات   وجهت الممثلة اللبنانية ماغي بو غصن نداءً إلى اللبنانيين لمساندة مراكز إيواء النازحين، من خلال تقديم ...