اشتباكات في مدينتَي جرمانا وصحنايا قُرب دمشق
أكدت السلطات السورية مساء اليوم الأربعاء اليوم التزامها “حماية” كل مكونات الشعب بمن فيهم الدروز، وفق ما أفادت وزارة الخارجية، بعيد اشتباكات دامية في منطقتي جرمانا وصحنايا قرب دمشق أوقعت خلال يومين أكثر من أربعين قتيلا.
وأورد بيان للخارجية: “تؤكد الجمهورية العربية السورية التزامها الراسخ بحماية جميع مكونات الشعب السوري بدون استثناء، بما في ذلك أبناء الطائفة الدرزية الكريمة التي كانت ولا تزال جزءا أصيلا من النسيج الوطني السوري”، مبدية في الوقت نفسه “رفضها القاطع لجميع أشكال التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية”، من دون ان تحدد الجهة المعنية.
وانتقلت الاشتباكات ذات الطابع الطائفي بين مسلحين مرتبطين بالسلطة وآخرين دروز إلى منطقة جديدة قرب دمشق موقعة 22 قتيلا على الأقل، في وقت نفذت إسرائيل الأربعاء “عملية تحذيرية” للسلطات الانتقالية في سوريا، وهددت بضرب أهداف تابعة لها في حال المساس بالأقلية الدرزية.
وجاء التصعيد ضد الأقلية الدرزية بعد أكثر من شهر على أعمال عنف دامية في منطقة الساحل السوري قتل خلالها نحو 1700 شخص غالبيتهم العظمى من العلويين، سلطت الضوء على التحديات التي تواجهها إدارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في سعيها لتثبيت حكمها ورسم أطر العلاقة مع مختلف المكونات عقب إطاحة حكم الرئيس بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر.
واندلعت اشتباكات ليل الاثنين الثلاثاء في مدينة جرمانا التي يقطنها دروز ومسيحيون، عقب انتشار تسجيل صوتي نسب الى شخص درزي يتضمن إساءات الى النبي محمد. وتوسعت الاشتباكات ليل الثلاثاء الأربعاء الى منطقة صحنايا القريبة من دمشق والتي يقطنها كذلك دروز ومسيحيون.
وقتل 17 عنصراً من قوات الأمن السوري في الاشتباكات التي اندلعت ليل الثلاثاء الأربعاء في بلدة صحنايا الواقعة قرب دمشق، كما أعلنت وزارة الداخلية في بيان.
وقالت وزارة الداخلية على لسان مدير مديرية أمن ريف دمشق المقدم حسام الطحان إن “مجموعات خارجة عن القانون” هاجمت صباح الأربعاء “نقاطاً وحواجز أمنية على أطراف” صحنايا، مما أدى إلى “استشهاد أحد عشر عنصراً من قوات إدارة الأمن العام”، مضيفة أن خمسة عناصر إضافيين قتلوا في هجوم آخر على نقطة أمنية “ليبلغ إجمالي عدد الشهداء ستة عشر شهيداً” حتى الآن. وأحصى من جهته المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 6 من المسلحين المحليين الدروز في صحنايا.
موقف إسرائيل
شنّ الجيش الإسرائيلي غارتين عنيفتين على صحنايا قرب دمشق.
وأفادت وسائل إعلام سورية عن “وقوع عدد من الإصابات من المدنيين بعد قصف إسرائيلي استهدف “أشرفية صحنايا” قرب دمشق”.
وسبق أن قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي: “في ختام تقييم الوضع أوعز رئيس الأركان بالاستعداد لمهاجمة أهداف تابعة للنظام السوري في حال عدم توقف العنف ضد الدروز”.
تابع: “خلال اليوم هاجم جيش الدفاع في ريف دمشق مستهدفًا نشطاء هاجموا مواطنيين دروز”.
وسبق أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن “الجيش الإسرائيلي نفّذ عملية تحذيرية واستهدف مجموعة متطرفة كانت تستعد لشن هجوم على السكان الدروز في بلدة صحنايا” الأربعاء.
وقال في بيان عن مكتبه الاعلامي، “تم نقل رسالة حازمة إلى النظام السوري، إسرائيل تتوقع منهم التحرك لمنع الإضرار بالطائفة الدرزية”.
وسبق لإسرائيل التي تسهل زيارات دينية لمشايخ دروز سوريين الى أراضيها في الفترة الأخيرة، أن هددت بالتدخل لحماية دروز سوريا إثر مواجهات محدودة شهدتها منطقة جرمانا مطلع آذار/مارس.
في غضون ذلك، وصل وفد من مشايخ الطائفة الدرزية في السويداء، إلى مدينة داريا بريف دمشق، على رأسه شيخي العقل أبو أسامة يوسف جربوع وأبو وائل حمود الحناوي، وقائد حركة رجال الكرامة الشيخ أبو حسن يحيى الحجار، والشيخ ليث البلعوس، لعقد اجتماع مع مسؤولين في الحكومة السورية، بهدف إيجاد حل سريع للأزمة في أشرفية صحنايا. ويضم من الجانب الحكومة محافظي السويداء ودمشق وريف دمشق.
موقف شيخ العقل
حذّر شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى من مخططات لضرب أبناء الوطن الواحد في سوريا، داعياً إلى الحكمة والتبصّر بعواقب الأمور ولملمة الوضع الحاصل وجمع الشمل.
وقال أبي المنى: “لنصلي ولندعو من أجل أخواننا الذين يمرّون في ضيقة في الأشرفية في صحنايا وجرمانا، والذين نتواصل معهم لحظة بلحظة منذ الأمس ومنذ فجر اليوم”.
أضاف: “نتواصل لنقف على حقائق الأمور التي تسارعت بشكل كبير، مما يدل ان هناك شحناً في النفوس وأنّ هناك ربما تكون نوايا مبيتة ومخططات مشبوهة يجب ان نكون واعين ومدركين ويجب أن نكون متحصنين بالعقل، العقل الذي يجب أن يقودنا الى الخلاص من هذه المحنة ومن هذه المرحلة العصيبة”.
موقف جنبلاط
ودعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط “السلطة السورية إلى القيام بتحقيق شفاف”، وقال: “مستعد للذهاب إلى دمشق مجدداً لوضع أسس للمطالب التي يحتاجها الدروز”.
تابع: “نحن في بداية مرحلة جديدة إما الاقتناع بالعيش في سوريا موحدة مع احترام التنوع أو الانسياق إلى المشروع الإسرائيلي الذي لن يترك “درزياً” في منطقته”.
موقف أردوغان
رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطالب جماعات كردية سورية بتبني نظام حكم لامركزي في سوريا قائلاً إنها “ليست أكثر من حلم” ولا مكان لها هناك.
ويتوزّع الدروز بين لبنان وإسرائيل والجولان المحتل وسوريا، حيث تشكل محافظة السويداء (جنوب) معقلهم الرئيسي.
أردوغان عن دعوة الأكراد إلى حكم لامركزي في سوريا: “حلم”
“أين السلطات”؟
عاشت منطقة صحنايا ليلة صعبة، وفق ما روى سكان لوكالة فرانس برس، مع دوي رشقات نارية وسقوط قذائف طيلة ساعات الليل.
وقال سامر رفاعة وهو أحد الناشطين في صحنايا لوكالة فرانس برس بينما دوي القصف حوله يسمع بوضوح عبر الهاتف “لم ننم طيلة الليل.. حاليا تتساقط قذائف هاون على منازلنا”.
وأضاف “السلطات غائبة، لا أعرف أين السلطات، نناشدها أن تقوم بدورها.. هناك أناس يموتون ولدينا اصابات” من دون إمكان تقديم الإسعافات لهم.
وقال كرم (27 عاما)، أحد المسلحين الدروز لفرانس برس عبر الهاتف “بدأت الاشتباكات على بعد نحو اربعة كيلومترات من المدينة وامتدت لتصل إلى أطرافها، ولم تتوقف أصوات المعارك منذ ليلة أمس”.
وأضاف بينما كانت تسمع بوضوح أصوات رشقات الرصاص من حوله “هناك جثة على الطريق أراها أمامي تماما ولا أحد يستطيع الاقتراب منها، الآن أصبح هناك دماء، والتهدئة تحتاج لجهود كبيرة”.
وفي وقت لاحق، أفادت وكالة سانا ببدء قوات الامن “عملية تمشيط واسعة” في المنطقة. ونشرت مقطع فيديو يظهر عناصر من قوات الأمن في عدد من السيارات رباعية الدفع قالت إنهم انتشروا في محيطها.
اتفاق
وجاء التصعيد في صحنايا غداة اشتباكات مماثلة في منطقة جرمانا المجاورة لدمشق أيضا، أسفرت عن مقتل 17 شخصا بحسب حصيلة جديدة للمرصد، بينهم ثمانية من المقاتلين الدروز وتسعة من المسلحين “المهاجمين المرتبطين بالسلطة”.
وتمّ الأربعاء تشييع المقاتلين السبعة في جرمانا، ورفع بعض المشاركين راية الدروز الملونة ورددوا هتافات عدة بينها “عز البلاد رجالها”، بمشاركة مقاتلين مدججين بأسلحتهم.
وتوصل ممثلون عن الحكومة السورية ودروز جرمانا ليل الثلاثاء الى اتفاق لاحتواء التصعيد.
ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، تمكن الدروز الى حد كبير من تحييد أنفسهم عن تداعياته. فلم يحملوا إجمالاً السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة.
وإثر إطاحة الاسد الذي قدّم نفسه حاميا للأقليات في سوريا، لم يتوصل الدروز الذين ينضوون ضمن مجموعات مسلحة عدة في مناطق تواجدهم الى اتفاق بعد مع السلطات الجديدة للاندماج ضمن قواتها، رغم جهود في هذا السياق.
وحل الشرع الجيش السابق وجمّد عمل عناصره، بينما انضوت الفصائل المسلحة التي نشطت في شمال غرب سوريا ضمن وزارة الدفاع. ويعد جهاز الأمن العام، ذراع الشرع الأمنية في معقله السابق في إدلب، الجهاز الأكثر نفوذا في سوريا اليوم.
ويعد بسط الأمن على كامل سوريا
من أبرز التحديات التي يواجهها الشرع، مع وجود مناطق لا تزال عمليا خارج سيطرته، على غرار مناطق سيطرة المقاتلين الاكراد (شمال شرق)، رغم توقيع اتفاق ثنائي معهم.
وتعهدت السلطات الجديدة ضمان أمن الطوائف كافة، وسط مخاوف لدى الأقليات، في وقت يحثّ المجتمع الدولي على إشراك جميع المكونات السورية في المرحلة الانتقالية.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية