آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » السلطة…الدولة….الوطن…..

السلطة…الدولة….الوطن…..

بقلم:باسل الخطيب

 

سال الكثير من الحبر والكلام فيما خص هذه الحرب التي شُنّت على سوريا، كل ذاك الحبر والكلام يجب أن لا ينسينا إن الأساس في كل ماحصل، أنه قد حصل نتيجة الخلط المتعمد والمبرمج والمدروس بين المفاهيم التالية :  السلطة والدولة والوطن، تم الترويج عبر ضخ إعلامي مكثف، أنه إن كنت تخاصم السلطة في بلدك، فهذا يمنحك الشرعية والأحقية أن تعادي دولتك، وتدمر منشآتها، إن كنت تخاصم السلطة هذا يمنحك الحق أن تخون وطنك، بل يعطيك المشروعية أن تتحالف مع أعداء وطنك في سبيل إسقاط السلطة التي تخاصمها، تماهت هذه المفاهيم الثلاثة في تلافيف أدمغة الثورجيين السوريين، إلى درجة التطابق، وشكل تماهيها النظام الداخلي لما أسميه اصطلاحاً و توصيفاً وحقاً (العورة السورية)، وكانت النتيجة وبالاً على السلطة والدولة والوطن…….

إن تماهي السلطة مع الدولة، سواء كان ذلك تصوراً أو واقعاً هو مقتل الأوطان، هذا التماهي يلخصه قول ملك فرنسا لويس الرابع عشر “أنا فرنسا، وفرنسا أنا “…..هذا أولاً، يأتي في الدرجة الثانية مفهوم (ثقافة المكرُمَة)، الحقوق ليست (عطايا)، هذا سيحوّل الشعب إلى رعايا، وليس مواطنين، ثقافة (المكرمة) تأتي موازية مع ثقافة (الوطن المعطاء)، هذا التعبير اختزال لمفهوم الوطن، وليس تكبيراً أو إجلالاً، ليس بالضرورة أن يكون الوطن معطاءً، يكفي أن يكون وطناً…..

اريد أن أذكر في هذا السياق أحد الشعارات النمطية التي تجعل من مفهوم الوطن ألهةً وثنية تحتاج دائماً القرابين، هذه العبارة هي “نموت لكي يحيا الوطن”…..هذا خطأ، الوطن هو أنت، أنا، هم ، نحن، أنتنّ، هم، هؤلاء…..بعض هذه الشعارات النمطية هي  نتاج ذاك الموروث الذي كان عنده آلف طريقة للموت، وقلما تجد لديه طريق واحد  للحياة… نعم، الشعار يجب أن يكون “نحيا لكي يحيا الوطن “…..لايجب تربية الناشئة أن التضحية في سبيل الوطن غاية، إنما هي وسيلة الضرورة…

هذه كانت الثالثة، أما الرابعة فهي على نسق سابقتها، المواطنة ليست مفهوماً شاعرياً، المواطنة علاقة رياضية، هي مفهوم نفعي متبادل بين الشخص والدولة، المواطنة تابع رياضي مضطّرد تماماً، أما أن يكون متزايداً  تماماً، أو يكون متناقصاً تماماً، وكما هو معروف التابع المضطرد تماماً، يملك عند كل نقطة من نقاطه حلاً وحيداً و وحيداً فقط، هذا الحل تلخصه الجملة التالية: إن إحقاق الحقوق وتحقيقها من الدولة للناس، يقتضي حتماً وحقاً تأدية الواجبات من قبلهم نحو الدولة، وصولاً إلى التضحية في سبيل الوطن…..

الكلام الذي يقول ” الفقر في الوطن غربة…..”، ليس كلاماً راديكالياً، على فكرة، ليس المقصود بالفقر هنا الحاجة فحسب، هذا القصد قد يكون الأخير في تفسير معنى الفقر في هذه العبارة….

أريد أن أشير إلى نقطة مهمة في هذا السياق، وهو أنه يحصل خلط بين مفهومي (المواطنة) و (الشعور الوطني)، هذان مفهومان مختلفان جداً وان كانا يتطابقان أحياناً….

الشعور الوطني ليس حاجة تُقاس، لايوجد معيار بشري يقيسه، هذا يحتاج معايير فوق بشرية، الشعور الوطني شكل من أشكال السمو الإنساني، قد يكون أرقاها، يلخصه بيت الشعر التالي:

بلادي وان جارت عليٓ عزيزةُ….

واهلي وإن ضنّوا علي كرام…..

الشعور الوطني هو من دافع عن سوريا وحماها، هو من أبقى على هذه البقية الباقية منها….يمكن الركون للشعور الوطني في فترات الحروب، ولكن حذاري، لايمكن الركون له في فترات السلم، هنا يتقدم مفهوم المواطنة، الشعور الوطني لايظهر في فترات السلم، وان ظهر، يظهر في حالات فردية، الشعور الوطني يحمي الوطن، ولكنه لايبني الدولة، الدولة تبنيها (المواطنة)، تبنيها القوانين التي تجعل المواطنة صيغة حية نابضة بالعمل، وليست مجرد مقطوعة غنائية…..

قلنا ماقلناه أعلاه لنذكر أن مايرمي إليه أعداؤنا لسوريا يتمثل في أمرين، الأولى تقسيم سوريا، وهذا موضوع مقال آخر، والثاني إرساء نظام سياسي في سوريا شبيه بالنظام السياسي في العراق ولبنان، حيث الدولة اللامركزية الضعيفة، وحيث المحاصصة الطائفية البغيضة المنصوصة والمقرة دستورياً، وحيث الأحزاب تقوم على أساس عائلي أو طائفي أو ديني أو قومي ضيق أو عنصري، تتنازع وتتناهش هذه الأحزاب الدولة، و حيث يصبح لكل سفارة أجنبية أياً كانت القدرة على التدخل في الدولة من خلال هذا الحزب أو ذاك….تصوروا أنه قد مضى على الانتخابات النيابية في العراق عام كامل، وحتى الآن لم يستطيعوا تشكيل حكومة، تخيلوا أن تياراً ذو شعبية كبيرة، ذو خلفية طائفية محددة، يتسمى باسم مؤسسه، تخيلوا أن بعض أصحاب العمائم هناك  قادرون على التحكّم بدولة كبيرة كالعراق حسب مزاجهم….

لم نضحِّ ونتحمل لنصل إلى هذه النتيجة قولاً واحداً، اللامركزية السياسية لسوريا هو مقتلها، مقتلها كجغرافيا ودور ودولة….

(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع17-6-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...