آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » السلطة تحتفي بالوهم: هذا نتيجة «نضالنا»!

السلطة تحتفي بالوهم: هذا نتيجة «نضالنا»!

 

أحمد العبد

 

من المُتوقّع أن يكرّر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في كلمته المصوّرة الموجّهة إلى الأمم المتحدة خلال اجتماع جمعيتها العامة، الخطاب نفسه الذي ألقاه في المؤتمر الدولي الرفيع المستوى، قبل 3 أيام، حول «التسوية السلمية» لقضية فلسطين وتنفيذ «حلّ الدولتين».

 

ذلك أن «أبو مازن»، المنتشي بسلسلة الاعترافات الدولية بفلسطين، لن يتردّد في تكرار الخطاب الذي يرغب الأوروبيون والغربيون في سماعه، والذي يستند إلى جملة ركائز، أهمّها: إقصاء حركة «حماس» عن الحياة السياسية الفلسطينية، منعها من المشاركة في الحكم إلا بشروط كثيرة، من بينها تسليم سلاحها، ومعها سلاح جميع فصائل المقاومة، الاستمرار في تنفيذ الإملاءات والشروط الغربية التي تسمّيها السلطة «إصلاحات شاملة»، وتشمل «تعزيز الحوكمة والشفافية وفرض سيادة القانون، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال عام بعد انتهاء الحرب، وصياغة دستور مؤقّت خلال ثلاثة أشهر لضمان الانتقال من السلطة إلى الدولة، بما يضمن عدم مشاركة أيّ أحزاب أو أفراد لا يلتزمون بالبرنامج السياسي والالتزامات الدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والشرعية الدولية».

 

ويأتي هذا فيما لا تزال الدولة الفلسطينية العتيدة، حبراً على ورق في «كتب» الاعترافات والقرارات. وليس مردّ ذلك إلى غياب مقوّمات الدولة على الأرض، من سيادة وسلطة وغيرهما فقط، وإنّما أيضاً إلى أن الدول التي اعترفت بفلسطين لم تتخذ خطوات فعلية تُظهر جدّية خطوتها تلك.

 

وبينما تُنظّر السلطة لكون هذه الاعترافات حصيلة عملها السياسي والدبلوماسي وانتصاراً لنهجها، فهي في الحقيقة نتاج للحراك الجماهيري في العالم؛ لكنها تجيء، في الوقت نفسه، لتهمّش مسألة وقف الإبادة في قطاع غزة؛ إذ اختارت الدول الغربية أقلّ الخيارات صعوبة لمواجهة الغضب العالمي في بلدانها أو حول العالم إزاء الإبادة، وتحديداً فرنسا وبريطانيا، اللتين انتظرتا أكثر من ثلاثين عاماً بعد «اتفاق أوسلو» لتعلنا هذا الاعتراف، في وقت لا تزالان فيه تتجاهلان فرض أي عقوبات حقيقية على إسرائيل أو تجميد العلاقات معها، وترفضان تقديم أي دعم فعلي لضحايا غزة الذين لا يطالبون سوى بوقف القتل.

 

وضعت بريطانيا جملةً من الشروط لإقامة علاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية

 

كذلك، سارعت بريطانيا وفرنسا إلى تقديم اعتذارات وتبريرات من أجل امتصاص الغضب الإسرائيلي تجاه خطوتهما؛ وكأنّهما أرادتا أن تقولا إن اعترافهما الشكلي لا يعدو كونه محاولة لاسترضاء الرأي العام الساخط، وتقديم «ملهاة» للنخب الفلسطينية والعربية لتسويقها أمام شعوبها، من خلال إعادة تصدير الوهم القديم نفسه المتمثّل بإقامة دولة فلسطينية، مقابل فتح الطريق أمام موجة تطبيع عربي جارفة مع إسرائيل. لا بل قد تكون الاعترافات تمهيداً لخطة غربية لإنقاذ إسرائيل من نفسها، وذلك عبر انتزاع اعتراف عربي ودولي أوسع بها، وتثبيت وجودها كدولة يهودية عنصرية.

 

وإذ تعتقد السلطة الفلسطينية أنّ مشروعها السياسي حظي بدفعة قوية بفضل هذه الاعترافات، فهي تبدو مستعدّة للذهاب إلى أبعد مدى في تنفيذ الشروط والإملاءات الغربية التي ستطاول مختلف القطاعات. وكانت وضعت بريطانيا جملةً من الشروط لإقامة علاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية، من بين أبرزها: وقف سياسة دفع مخصّصات الأسرى الفلسطينيين وعائلات الفدائيين، وتغيير المناهج الفلسطينية التي تعتبرها الدول الغربية «معادية لإسرائيل»، وإجراء انتخابات جديدة، وذلك قبل السماح بفتح سفارة فلسطينية في القدس الشرقية أو التوقيع على اتفاقيات دولية.

 

وبناءً عليه، لم يعد بإمكان السلطة الفلسطينية الحديث عن استقلالية القرار الفلسطيني في ظل هذا الرضوخ التام لشروط الدول الغربية، فضلاً عن أنّ مقوّمات الدولة الفلسطينية غير قائمة على الأرض أصلاً، وأنّ جندياً واحداً يستطيع إغلاقها وتحويلها إلى سجن كبير، على غرار ما حصل أول من أمس حين أغلق الاحتلال معبر الكرامة. كما أن الاستيطان الذي تغاضت عنه دول العالم وتواطأت معه، التهم جغرافية تلك الدولة وحوّلها إلى فتات، فيما لا ينظر الفلسطيني اليوم إلى رمزية الاعتراف من قوى استعمارية، بقدر ما ينظر إلى الأرض التي تُسلب يومياً من قبل المستوطنين، وإلى الحواجز والبوابات العسكرية التي تخنقه، وإلى الدمار والتضييق المتصاعديْن يوماً بعد آخر واللذيْن يدفعانه إلى الهجرة.

 

وبالتالي، ليس المطلوب من دول تحظى بمقاعد دائمة في مجلس الأمن أن تعلن اعترافات فارغة بدولة بلا حدود ولا عاصمة ولا سيطرة ولا سيادة، بينما لم تفعل شيئاً لتطبيق قرار مجلس الأمن المُلزِم عام 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، ولم تسعَ لتنفيذ أيّ من القرارات الأممية المتعلّقة بالقضية الفلسطينية، بل استمرّت طوال عقود في تسمين المشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين، خصوصاً في حالة بريطانيا. كما أن الاعتراف الحقيقي بدولة يتطلّب فرض عقوبات وإجراءات ضد من يعتدي عليها ويحتلّها ويمارس إبادة ممنهجة بحقّها، والأهم من ذلك محاسبة من سمح بقيام هذا الاحتلال وتواطأ على مدار عقود في استنزاف الأرض والتسبّب بنكبة أهلها.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

انفراج حذر بين الجزائر وفرنسا… ومطبّات في الطريق إلى التفاهم

نبيل سليماني   أبدت أطرافٌ فرنسية وجزائرية، خلال الأسابيع والأيام الأخيرة، محاولات لرأب الصدع الحاصل بين باريس والجزائر.   محاولاتُ التهدئة وإعادة العلاقات بين البلدين ...