فقار فاضل
للمرّة الثانية، يزور رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، مصر، لبحث ملفّات أبرزها الاقتصاد والأمن والتجارة. ملفّات ينضمّ إليها، أيضاً، دور الوساطة الذي تلعبه بغداد بين القاهرة وطهران، في محاولة لتسوية القضايا المختلَف عليها، والتمهيد لتطبيع العلاقات
ad
بغداد | في آذار الماضي، قام رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، بزيارة رسمية إلى القاهرة لم تستغرق سوى ساعات، التقى خلالها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لمناقشة «العلاقات الثنائية والملفّات التي تتعلّق بمصلحة البلدَين»، وفقاً لبيان الحكومة العراقية، فيما تحدّثت تقارير في ذلك الحين عن وساطة عراقية بين مصر وإيران. وبعد شهرَين من تلك الزيارة، يقوم السوداني برحلة أخرى، تكتسب أهمّيتها من كونها تمثّل خطوة في اتّجاه تحسين العلاقات بين دول المنطقة، ولا سيما مصر وإيران، إلى جانب تناولها ملفَّي دخول البضائع المصرية إلى العراق، ورفع سقف التبادلات التجارية بين البلدَين والولوج إلى أسواق قريبة.
ويدرج مراقبون هذه الزيارة في سياق توجّه استراتيجي عراقي، نحو تعزيز العلاقات مع دول المنطقة، وخلق توازن سياسي واقتصادي، وخصوصاً أن السوداني دائماً ما يؤكّد في خطاباته رغبة حكومته في أن تكون على مسافة قريبة من الأطراف الإقليمية كافة، بما يشمل إيران ودول الخليج. وعلى المستوى الاقتصادي خصوصاً، يُذكر أن قيمة التبادل التجاري بين مصر والعراق ارتفعت لتسجّل 147.3 مليون دولار خلال الربع الأول من عام 2022، مقابل 129.1 مليون دولار خلال الفترة نفسها من عام 2021، بنسبة قدرها 14.1%، بحسب ما ذكرته إحصاءات الدولة المصرية. وتحوز مصر فائضاً ضخماً من الطاقة، وهي تتطلّع إلى زيادة صادراتها منها إلى العراق ودول أخرى كالسودان وليبيا والسعودية، وخصوصاً في ظلّ ما تعانيه من صعوبات اقتصادية كبيرة. وفي الوقت نفسه، تحتاج مصر إلى النفط، بينما العراق يعاني عجزاً في الطاقة الكهربائية، ما يعني بالتالي وجود مصلحة مشتركة في تعزيز ذلك التبادل. وفي هذا الإطار، يرى اقتصاديون أن العراق يمثّل فرصة كبرى للمستثمرين المصريين، خاصة في مجال الطاقة، فيما يمكنه الاستفادة من خبرات مصر المتقدّمة في مجالات الطاقة واستزراع التصحّر، كما من تجربتها المعاصرة في تطوير البنى التحتية وبناء مدن سكنية حديثة.
ad
وعن الزيارة، يقول المتحدّث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، إنها تتزامن مع انعقاد أعمال الدورة الثانية لـ«اللجنة العليا العراقية – المصرية المشتركة» بين العاشر والثالث عشر من حزيران الجاري في القاهرة، والتي سيتوّج نتائجها توقيع السيسي والسوداني مذكّرات تفاهم عديدة. ويُضيف العوادي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «هذا لا يغطّي سعي القيادتَين العراقية والمصرية إلى تقوية أواصر العلاقة سياسياً، والوصول إلى مستوى تنسيق تحقَّقَ قسم منه من خلال آلية العمل وفق التعاون الثلاثي العراقي – المصري – الأردني، وصولاً إلى تأسيس موقف موحّد في العديد من القضايا العربية والإقليمية». وبخصوص الوساطة بين مصر وإيران، ينقل المتحدّث عن رئيس الوزراء قوله «إننا أكثر من مرّة أعلنّا أن الحكومة قادرة على القيام بأيّ دور يطلب منها للوساطة أو تقريب وجهات النظر في بعض القضايا العربية أو الإقليمية، ولا سيما في الملفّات التي تؤثّر على الساحة العراقية أو التي يكون من نتائجها أن تشهد المنطقة استقراراً ينعكس بالإيجاب على الساحة العراقية».
ad
المتحدّث باسم الحكومة لـ«الأخبار»: قادرون على القيام بأيّ دور يُطلب منّا للوساطة
من جهته، يشير عضو مجلس النواب، جواد اليساري، إلى أن «العراق ومصر بلدان يجتمعان على قضايا عدّة، أبرزها الاقتصاد والتجارة والثقافة وحتى في الملفّ الأمني، وهناك تعاون سابق وحالي لمحاربة الفكر المتطرّف المتمثّل في داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية». ويلفت اليساري، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «السوداني لديه توجّه لتحقيق الاستقرار في العراق، وهو نجح في إدارة ملفّ السياسة الخارجية»، مضيفاً أن مصر «لديها خبرات وتجربة ناجحة في ملفّ الطاقة الكهربائية، ناهيك عن المجالات الأخرى التي تعدّ أكثر تطوّراً منّا فيها، فلا ضير في أن نستفيد منها وننقلها إلى العراق». وعن تقريب وجهات النظر بين طهران والقاهرة، يقول اليساري إن «السوداني أخذ على عاتقه لعب دور في تهدئة التوتّر في المنطقة، وإبعادها عن المشكلات والتجاذبات، وهذا بالتالي سينعكس على العراق، كونه أكثر البلدان تضرّراً من الخلافات الإقليمية».
ad
وفي الإطار ذاته، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، طارق الزبيدي، أن «زيارة السوداني لمصر هي من أهمّ الزيارات، وفيها مهام متعدّدة ولا يمكن حصرها بقضية محدّدة»، مشيراً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «مصر تُعتبر من الدول التي لها ثقل عربي كبير، ولهذا ذهب العراق إليها». وبخصوص التوسّط بين طهران والقاهرة، يلفت الزبيدي إلى أن «من ضمن أولويات الزيارة تطبيع العلاقات الإيجابية بينهما، ولا سيما أن العراق نجح في الوساطة التي قام بها سابقاً بين إيران والسعودية، وكذلك له دور كبير في إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية». أمّا المحلّل السياسي، حيدر عرب، فيَعتبر أن «السياسة الخارجية للعراق أصبحت من الثوابت الأساسية عند الحكومة الحالية، ودورها ترطيب الأجواء بين البلدان العربية»، معرباً عن اعتقاده بأن «زيارة السوداني ستنقسم في اتّجاهين، أولهما داخلي وهو تقوية المجال الاقتصادي والتجاري بين البلدين، والثاني يتعلّق بالشأن الإقليمي ومنه مناقشة العلاقة المتوتّرة ما بين مصر وإيران وتقريب وجهات النظر بينهما».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية