بغداد | يعوّل العراقيون كثيراً على نجاح زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى نيويورك أخيراً، في لجم أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار، بعدما ناقشها مع مسؤولين أميركيين، في وقت يسعى البنك المركزي العراقي إلى حصر التعاملات التجارية الداخلية بالدينار، باستثناء تلك التي تسلّم للمسافرين.
وكان محافظ البنك المركزي، علي العلاق، أكد في بيان الأحد الماضي، أن الحوالات عن طريق بنوك المراسلة بلغت 60% من إجمالي الحوالات (خارج المنصة الإلكترونية الخاصة بالبنك المركزي)، موضحاً أن هذا التوجه جاء بعد اتفاق بين البنك المركزي العراقي والاحتياط الفيدرالي الأميركي، أُسوة بدول العالم، حيث لا تمارس البنوك المركزية أعمالاً تنفيذية، ويتركّز دورها على الإشراف والرقابة.
ولفت إلى أن دخول معظم التجار إلى قنوات التحويل الرسمية وتوفير الدولار بسعر 1320 ديناراً كانا سببين مباشرَين في السيطرة على المستوى العام للأسعار وانخفاض نسبة التضخم، الذي يُعدّ مؤشراً أساسياً في فاعلية السياسة النقدية، معتبراً أن سعر «السوق السوداء» لا يصلح كـ«مؤشر» كونه يتعلّق بالدولار النقدي للعمليات غير الأصولية، وليس مخصصاً لأغراض التجارة المشروعة.

ووفق بيان المركزي، بيّن العلاق، أنّ النظام الجديد للتحويل الخارجي وبيع الدولار يوفّر حماية من المخاطر لأطراف العمليات كافة، ويحظى بقبولٍ وإشادةٍ دوليَّين وينسجم مع قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويحقق بادرة مهمة للعلاقات المباشرة بين المصارف العراقية والمصارف العالمية المعتمدة.
في الوقت نفسه، تتحدّث مصادر من داخل قوى «الإطار التنسيقي»، عن أن مفاوضات السوداني مع الإدارة الأميركية بشأن أزمة سعر الصرف، كانت مشروطة بالتزام المصارف العراقية بتعليمات المنصة التي فرضها «الفيدرالي» الأميركي، فضلاً عن وقف عمليات التهريب للعملة إلى دول مشمولة بعقوبات واشنطن.

وفي هذا السياق، يؤكد قيادي في «الإطار التنسيقي»، فضّل عدم ذكر اسمه لـ «الأخبار»، أنّ «اجتماع رئيس الحكومة مع أعضاء الإطار بعد زيارته إلى نيويورك، كان خاصّاً بمحادثاته لمعالجة أزمة الدولار وانعكاساتها على عمل الحكومة وحياة المواطنين». ويشير إلى أن «السوداني كان يشدّد على إنهاء عمليات التهريب للعملة، والمضاربة بالدولار من قبل التجّار، تلافياً لمزيدٍ من العقوبات التي يمكن أن تفرضها واشنطن على مصارف مشبوهة». وأكد أن «هناك تعليمات جديدة سيوجّهها رئيس الحكومة إلى البنك المركزي للسيطرة على بيع الدولار خارج المنصة الذي يبعث القلق لدى الولايات المتحدة».

السوداني يشدّد على إنهاء التهريب للعملة، والمضاربة بالدولار من قِبل التجّار، تلافياً لمزيدٍ من العقوبات

من جانبه، رأى القيادي في «حركة حقوق» النائب في لجنة المال النيابية حسين مؤنس، أن «زيارة السوداني لم تخلُ من النقاشات عن أزمة الدولار. لكن هذا لم يمنع واشنطن من فرض هيمنتها على العراق من خلال نافذة الدولار». وقال لـ «الأخبار» إن «هناك تلكؤاً واضحاً من قبل البنك المركزي، في إيجاد الحلول لحماية قيمة الدينار العراقي، وفرض شروط قاسية على المضاربين بالدولار في السوق الموازية، بعيداً عن الولايات المتحدة التي تتذرع بالعقوبات». وتابع أن «أميركا تريد فرض وصايتها على العراق بشتى السُّبل، وقد يكون من ضمن أوراقها وضع المنصة لمراقبة الدولار، وهذا قد يُضعف الحكومة الحالية ويسلب إرادتها، لكن بطبيعة الحال وقدمنا في اللجنة المالية عدة مقترحات لإنقاذ المواطن من أزمة الدولار».
المسؤول السابق في البنك المركزي العراقي، محمود داغر، أشار إلى أن «زيارة السوداني بروتوكولية ديبلوماسية تهدف إلى تأطير التعاون مع الولايات المتحدة، ومن الممكن أن يكون قد تم خلالها التنسيق والتفاهم بشأن أزمة الدولار وما يتعلق بها». وأوضح لـ «الأخبار» أن «العقوبات الاقتصادية إِزاء دولة الجوار وغيرها، تحتاج إلى اتفاقات طويلة الأمد، ولا سيما بين الطرفين الأميركي والإيراني، لأن هذا الصراع هو مل يتسبب في ما يحدث من مشكلاتٍ اقتصادية ومالية في العراق».

وعن قرارات البنك المركزي، قال داغر إن «اعتماد الدينار العراقي بالتأكيد سيساهم في تقليل الطلب على الدولار، وبالتالي قد يحدّ من ارتفاع أسعاره، لكنه علاج جزئي للمشكلة وليس نهائياً طالما بقيَ طلب على الدولار لغرضِ تغطية التجارة مع الكيانات المعاقبة، وهذه هي مشكلة ارتفاع سعر الصرف في الوقت الحالي».
من جهته، يقول أستاذ الإدارة والاقتصاد، صفوان قصي، إن «رئيس الوزراء يحاول إقناع المجتمع الدولي، خصوصاً الشركات الأميركية، بأن تقوم بعملية الاستثمار في الأراضي العراقية، لإعادة الثقة بالنظام المصرفي العراقي عند الخزانة الأميركية التي لديها مؤشرات على السياسة النقدية والمالية في العراق». ويلفت في تصريح لـ «الأخبار» إلى أن «حكومة السوداني جادة في موضوع الإصلاح الاقتصادي وحل أزمة الدولار مع الولايات المتحدة، عن طريق إنشاء حساب الخزينة الموحدة للقيام بعملية ربط الحساب المالي بمنظومة رقمية متكاملة بعيداً عن عمليات التلاعب والتزوير بالدولار».
وحول موضوع التعاملات الداخلية بالدينار العراقي، يقول قصي إن «البنك المركزي يحاول في المُدّة الحالية أن يجبر جميع التجّار العراقيين على بيع سلعهم في الداخل العراقي بالدينار العراقي فقط، وهي بمنزلة إعادة الهيبة إلى العملة المحلية ومعالجة سعر الصرف».
ويرى أن «المرحلة الحالية تتطلب مجموعة من الخطوات، ومنها قيام البنك المركزي بتسريع الانسحاب من نافذة بيع العملة، باتجاه أن يكون هناك ربط مباشر بين المصارف العراقية والمصارف المراسلة الدولية، لإبعاده عن الشبهات». ويختم بأنّ «مثل هذه المعالجات التي تقلّل من هدر الدولار وإخراجه إلى الدول المُعاقبة ستساهم أيضاً في انفتاح المصارف العراقية على المصارف الدولية، وهذا ما تتبنّاه الحكومة في المرحلة الحالية».