مي علي
يتمسّك «المجلس السيادي السوداني» برؤيته الخاصة لإحلال السلام، والتي تقضي بتفكيك قوات «الدعم السريع» ونزع سلاحها، رافضاً في المقابل أي هدنة أو وقف لإطلاق النار، طالما أن قوات «الدعم» موجودة «في أي شبر من الوطن». موقفٌ، عكسته أخيراً تصريحات رئيس المجلس، عبد الفتاح البرهان، الذي شدّد على «ضرورة التوصل إلى حل عسكري قبل الحل السياسي»، مؤكداً أن «السودان ليس ضعيفاً، بل قادر على التصدي لأي عدوان»، مطالباً الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي وصفه بأنه «قادر على حلّ الأزمة»، بالنظر إلى القضية السودانية «من وجهة نظر السودانيين». وأتى هذا بعدما دفعت الحكومة السودانية، الأسبوع الماضي، عبر رئيس وزرائها كامل إدريس، برؤيتها الخاصة للحل في مجلس الأمن الدولي، وذلك عقب التوافق عليها داخل مجلسَي «السيادة» والوزراء.
ولفت إدريس، خلال الجلسة، إلى أن «السودان يواجه أزمة وجودية بسبب الحروب»، موضحاً أن المبادرة تدعو إلى وقف نار بإشراف «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي» و«جامعة الدول العربية»، جنباً إلى جنب انسحاب قوات «الدعم السريع» من المناطق كافة التي سيطرت عليها، قبل نقلها إلى معسكرات ونزع سلاحها. وإذ بيّن أن الحلّ الذي تقترحه حكومته «محلّي الصنع»، وليس مفروضاً من الخارج، في إشارة إلى عدم تبنّي خارطة الطريق التي قدّمتها «الآلية الرباعية»، التي تضمّ الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، فإنه حذّر من أنه سيُحكم على أي هدنة بالفشل، ما لم يتمّ الحدّ من انتشار «قوات الدعم»، داعياً أعضاء مجلس الأمن إلى دعم مبادرته، التي «يمكن أن تشكل لحظة يتراجع فيها السودان عن حافة الهاوية».
يرى السودان أنّ الإمارات هي جزء من الأزمة، ولا يمكن بالتالي أن تكون «جزءاً من الحل»
على أنه على الضفة المقابلة، تسعى قوات «الدعم السريع»، بمؤازرة من الإمارات، الداعم الرئيسي لها، على ما يبدو، إلى توسيع رقعة العمليات العسكرية، لتشمل ولاية النيل الأزرق شرقي البلاد، وذلك في خضمّ انتشار أنباء عن فتح أثيوبيا معسكرات لتدريب مقاتلين ينتمون إلى «الدعم»، في المنطقة الواقعة على الحدود بين البلدين. ويرى مراقبون في ممارسات أديس أبابا تصعيداً «خطيراً وغير محسوب»، وفق ما يذهب إليه مثلاً الخبير العسكري واللواء المتقاعد، أسامة محمد أحمد، الذي يحثّ، في حديث إلى «الأخبار»، «الحكومة السودانية على توجيه رسالة قوية إلى رئيس وزراء أثيوبيا، آبي أحمد، بالكف عن المناوشات على الحدود ووقف دعمها لقوات (الدعم السريع)». ويرى الخبير أن «إثيوبيا تضحي بعلاقاتها الاستراتيجية مع السودان، ما يفرض على الأخير أن يكون حاسماً في هذا الملف»، معتبراً أن «أي تدخل من أديس أبابا في أحداث السودان سيضرّها، وعلى آبي أحمد أن يدرك أن الطريق الذي يتبعه الآن لن يحقق مصالحه ولا مصالح الجهة التي تقف خلفه». وكان قد دافَع البرهان، خلال تطرّقه إلى التحركات على الحدود، بأن السودان يتبنّى «سياسة خارجية معلومة في التعامل مع دول الجوار»، «ولم نكن يوماً دولة عدوان»، مشيراً في المقابل إلى أن الحرب الحالية تركت تداعيات على المحيط الإقليمي. وإذ أكد أن بلاده لن تقابل الدول التي تدعم تلك التحركات بـ«العداء»، فإنه شدّد على احتفاظها بحق «الدفاع عن نفسها».
وفي مقابل اندفاعة «الدعم»، شهدت العمليات العسكرية للجيش السوداني تباطؤاً ملحوظاً أخيراً، بعدما اقتصرت على شنّ سلاح الطيران ضربات جوية، طالت أهدافاً محددة في مناطق سيطرة «الدعم السريع» في دارفور وجنوب كردفان. ورغم إعلان قادة الجيش أن غرفة العمليات العسكرية انتقلت إلى حاضرة ولاية شمال كردفان الأبيض، إلا أن الهجمات تكاد تكون شبه متوقفة، فيما يلوّح أفراد منسوبون إلى «الدعم»، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأن مدينة الأبيض هي هدفهم القادم، لاستكمال سيطرتهم على إقليمَي دارفور وكردفان. وطبقاً لعدد من المراقبين، يرجع توقف عمليات الجيش إلى تركيز قيادته على الحلول السياسية والتفاوض، لا سيما بعد الجهود الديبلوماسية التي قادتها السعودية مع الولايات المتحدة، والتي تزامنت مع زيارات أجراها البرهان إلى كلّ من القاهرة والرياض. على أن العائق الأساسي أمام تمرير المبادرة السعودية يتمثّل، على ما يبدو، في تبنّي المملكة رؤية «اللجنة الرباعية» للحل، وهو ما ترفضه الحكومة السودانية باستمرار، على خلفية موقفها من الإمارات؛ إذ إنه بالنسبة إليها، فإن أبو ظبي هي جزء من الأزمة، ولا يمكن، بالتالي، أن تكون جزءاً من الحل، وهو ما أكّده رئيس «مجلس السيادة»، خلال حديثه مع الجالية السودانية في العاصمة التركية، حيث أشار إلى أن حكومته واجهت وفد الإمارات بحضور ممثلين عن «الآلية الرباعية»، وطالبته بوقف الإسناد الذي تقدّمه بلاده لـ«الدعم». وأضاف البرهان أنه ورغم أن الإماراتيين «لم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم»، إلا أنهم لم يستجيبوا للمطالب، «بل زادوا من تصعيدهم ضدّ السودان، وهو ما دفع بالحكومة إلى رفض وجود الإمارات، وأن تكون شريكاً في الحل، لأنها لا تريد أن تستمع إلينا ولا الاستجابة لمطالبنا».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
