مي علي
يوماً بعد يوم، تتزايد المؤشّرات إلى نيّة العسكر التملّص رسمياً من “الاتفاق الإطاري” المُوقَّع مع “قوى الحرية والتغيير”، وسط انقسامات متكاثرة تضرب صفوف الأطراف كافّة المعنيّة بالعملية السياسية. وممّا يعزّز الدفع في ذلك الاتّجاه، غياب الضغط الدولي على المكوّن العسكري لترجمة التزاماته التي بقيت من دون ضمانات أصلاً – خصوصاً في ظلّ إعادة تحريك ملفّ التطبيع من إسرئيل وما قد يحمله من جرعات دعم لذلك المكوّن -، والاشتغال المصري على تكريس انفراط “الإطاري”، والبحث عن صيغة بديلة من شأنها أن تُبقي مكاناً واسعاً للعسكر في السلطة
ad
الخرطوم | يُكثر قادة الجيش السوداني، هذه الأيام، من إطلاق تصريحات توحي بقرب تنصّلهم، رسمياً، من “الاتفاق الإطاري” المُوقَّع مع “ائتلاف قوى الحرية والتغيير” في كانون الأوّل الماضي. إذ يدأبون على تأكيد رفْضهم إقصاء أيّ قوى من ديناميّات العملية السياسية التي تنتظم في البلاد – ما عدا حزب “المؤتمر الوطني” المنحلّ -، على اعتبار أن ذلك لن يؤدّي إلى حلّ سياسي شامل. ويستعيد القادة العسكريون، راهناً، المفردات نفسها التي سبقت الانقلاب على الحكومة المدنية في تشرين الأوّل 2021، وكانت اتّخذتها المجموعة التي نفّذت الاعتصام أمام القصر الجمهوري آنذاك، شعاراً لها، حتى تمّت الاستجابة لمطالبها من قِبَل الجيش، عبر انقلاب الأخير على شريكه المدني في الحُكم.
واعتبر رئيس “مجلس السيادة”، قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وعضو المجلس، الفريق شمس الدين كباشي، لدى مخاطبتهما تجمّعات شعبية في مناطق نفوذهما في شمال السودان وجنوبه، وتحديداً في ولايتَي نهر النيل وجنوب كردفان، أن القوى المدنية المُوقِّعة على “الاتفاق الإطاري” لا تستطيع، بمفردها، حلّ الأزمة السياسية في البلاد. وأثارت هذه التصريحات حالة قلق في الأوساط المعنيّة، التي باتت تترقّب لحظة إعلان الجيش، بصورة رسمية، انسحابه من العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة ومجموعة “إيغاد” والاتحاد الأفريقي، بإشراف “اللجنة الرُباعية الدولية”.
ad
وما ضاعف ذلك القلق تأكيدُ البرهان أن “القوّات المسلّحة لن تُفرّط بالبلاد”، وأنها “لا تريد المضيّ في الاتّفاق الإطاري مع جهة واحدة”، وتلويح كباشي، بصراحة، بأن الجيش “لن يحمي دستوراً غير متوافق عليه وضَعه عشرة أشخاص”، في إشارة إلى لجنة المحامين التي صاغت مشروع الدستور الانتقالي الذي يرتكز عليه “الإطاري”. وفي رسالة مُوجَّهة إلى “قوى الحرية والتغيير”، لفت إلى أن “هناك ظروفاً دعت القوّات المسلّحة إلى أن تكون جزءاً من الحوار، لكنها لن تمضي فيه إذا لم تنضمّ إليه قوى أخرى معقولة ومقبولة”، مشدّداً على أنه “لا يمتلك أحد صكوك غفران لتحديد مَن يوقّع الحق السياسي للجميع”. ولم يكتف عضو “السيادي” بذلك، بل أكد أن “القوّات المسلّحة ستظل صامدة وعصيّة على محاولات التقسيم، وأنه لا بديل منها إلّا هي”، متحدّثاً، لأوّل مرّة بصورة واضحة، عن أهمية دمْج قوات “الدعم السريع” في الجيش القومي.
ad
تشهد الخرطوم، خلال الأسبوع الحالي، أكبر تجمُّع للمبعوثين الدوليين لدفع العملية السياسية
وبدا هذا الحديث أقرب إلى رسالة تصبّ في بريد قائد “الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي يقف على النقيض من موقف قادة الجيش من “الاتفاق الإطاري”. إذ جدّد دقلو، غداة الانتهاء من “ورشة اتفاق السلام”، التي أتت من ضمن خمس ورشات أقرّها “الإطاري” لتناول مسائل لم تُحسم في نسخته الأوّلية، التزامه الكامل بالاتفاق، الذي يمثّل، بحسب تعبيره، “نافذة أمل لشعبنا في هذا الوقت الحرج”. وأضاف، في منشور على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، “(أنّنا) سنعمل بأقصى جهدنا للإسراع في خطوات الوصول إلى اتّفاق سياسي نهائي يؤسّس لسلطة مدنية تعبّر عن تطلّعات الشعب، وتقود المرحلة الانتقالية حتى نصل إلى انتخابات حرّة ونزيهة”.
ad
وأعادت لهجة قادة الجيش هذه الأيّام، إلى الأذهان، الأجواء التي سبقت الانقلاب الأخير، والتي تزامنت وقْتها مع قُرب تسليم رئاسة “مجلس السيادة” للمكوّن المدني. وفيما لا يبدو الشارع متفاجئاً من تلك التقلّبات، لا تزال “قوى الحرية والتغيير”، شريكة الجيش في “الإطاري”، ملتزمةً جانب الصمت، وهو ما يعزوه محلّلون إلى ضغوط دولية تنتظر هذه القوى تسليطها على العسكر إنْ أفصحوا عن نيّتهم التنصّل من الاتفاق. ويتساءل مراقبون عن مصير هذا الائتلاف في حال نفّذ الجيش تهديداته، وإلى أيّ جهة سيصطفّ، ولا سيّما بعدما فقَد فُرصته لدى “الشارع الثوري” نتيجة توقيعه على “الإطاري”.
وإذ يرفض “الحرية والتغيير” مشاركة قوى سياسية كانت جزءاً من النظام السابق حتى اندلاع انتفاضة 2018، بالإضافة إلى مجموعات تَدين بالولاء للمكوّن العسكري، في “الاتفاق الإطاري”، فإن مصر، التي ترى أن مصالحها الاستراتيجية ستتضرّر في حال انسحاب الجيش بالكامل من العملية السياسية، تتطلّع إلى إشراك تلك الجهات في التسوية. ومن هنا، استضافت القاهرة، أخيراً، ورشة سياسية استمرّت أسبوعاً واختُتمت أوّل من أمس، لمجموعة من قادة الحركات المسلَّحة المُوقِّعة على “اتفاق جوبا”، وعلى رأسها “حركة العدل والمساواة” و”جيش تحرير السودان”، بالإضافة إلى أفراد وكيانات سياسية تَجمعهم مصالح عليا لن تتحقق إلّا ببقاء العسكر في السلطة. وبدا لافتاً إصدار المشاركين إعلاناً سياسياً دعوا فيه إلى العودة إلى “الوثيقة الدستورية” المُوقَّعة عام 2019 والمعدَّلة عام 2020 – وهو ما ترفضه القوى الموقّعة على “الإطاري” -، مشدّدين على ضرورة وقوف القوّات المسلّحة “على مسافة واحدة من كل القوى السياسية والمجتمعية، وألّا تتدخّل في الشأن السياسي بما في ذلك تكوين المؤسّسات الخاصة بها مِن مِثل مجلس الأمن والدفاع الوطني”، معتبرين أن انقلاب 25 تشرين الأوّل نتج من “الأزمة الكبرى التي تسبّبت بها الخلافات بين المكوّنات المشاركة في السلطة خلال الفترات الانتقالية”.
ad
ويأتي ذلك فيما تشهد الخرطوم، خلال الأسبوع الحالي، أكبر تجمُّع للمبعوثين الدوليين لدفع العملية السياسية. إذ بدأ ستّة من هؤلاء، على رأسهم مساعد وزير الخارجية الأميركي للقرن الأفريقي بيتر لورد، ومبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيت ويبر، والمبعوث الفرنسي الخاص للاتحاد الأفريقي فريدريك كلافيه، بالإضافة إلى مدير القرن الأفريقي في وزارة الخارجية الألمانية تورستن هوتر، ومبعوث بريطانيا للسودان وجنوب السودان روبرت فيرويزر، ومبعوث النرويج الخاص للسودان وجنوب السودان جون جونسون، زيارة إلى العاصمة السودانية أمس، يُجرون خلالها مباحثات مع الأطراف المختلفة.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية