| محمد نور الدين
انتشرت، في الآونة الأخيرة، في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مقاطع مصوّرة وأخبار، عن تزايد النزعة المعادية للأجانب في تركيا، ولا سيما إزاء اللاجئين السوريين. ولأن حجم الوجود السوري في هذا البلد يزداد على نحو مطّرد، وبات يُعدّ 6% من مجموع المواطنين الأتراك، البالغ عددهم 80 مليوناً، فإن ما يزيد من أعباء اللجوء على الدولة المضيفة، كون نسبة قليلة منهم تعيش في مخيّمات رسمية، فيما الغالبية الساحقة منتشرة في معظم المدن التركية، ومتفلّتة من أيّ ضوابط، ومتغلغلة في القطاعات كلّها. ولهذا، باتت مشكلة اللاجئين تلقي بثقلها على القطاع الاقتصادي خصوصاً، بعدما أصبحت اليد العاملة السورية الرخيصة تنافس تلك التركية، ما أدّى إلى ارتفاع معدّلات البطالة في بلدٍ تزداد فيه المعيشة صعوبة، بسبب انهيار سعر صرف العملة المحلّية، وارتفاع الأسعار. وبفعل أشغالهم التجارية، أصبح السوريون يشكّلون «غيتو» غريباً على المجتمع التركي، إذ بدأ ينتشر شعور بأن تركيا «تتحوّل إلى سوريا أخرى».
ورغم أنه، وخلافاً لِما يُشاع، لا يوجد بعد مناخ جدّي معادٍ للأجانب في تركيا، فإن ذلك لا يلغي أن جماعات سياسية متطرّفة تستغلّ ظروفاً معينة لتتعامل بعنصرية، ليس فقط مع السوريين، بل مع الأجانب كلّهم. ففي خضمّ الضائقة الاقتصادية، تكرّرت، على سبيل المثال، في الصيف الماضي، مظاهر الاعتداءات على السيّاح الأجانب، ولا سيما الخليجيين منهم، في أكثر من مدينة تركية، بحجّة أن المواطن التركي وجد نفسه غير قادر على شراء احتياجاته الأساسية، فيما السائح الأجنبي، ولا سيما العربي، ينفق مبالغ طائلة للترفيه عن نفسه. ولعلّ هذه المظاهر خلقت، لدى بعض المواطنين الأتراك، شعوراً بالحنق والعداء، ودفعتهم إلى اتباع سلوك عدائي تجاه السوّاح واللاجئين والأجانب عامّة. وجاء في تقرير أعدّته صحيفة «تركيا»، أن الاعتداء على اللاجئين السوريين دفع كثيرين منهم إلى «التخوّف من مغادرة منازلهم»، ما أثّر سلباً، وفقاً للصحيفة نفسها، في القطاع الصناعي، الذي «لا يجد يداً عاملة رخيصة بديلة من السوريين».
وبالنظر إلى أن المجموعات العنصرية اليمينية المتطرّفة تتغذّى على العداء للأجانب، كونه جزءاً لا يتجزّأ من عقيدتها، ولا توفّر فرصة لاستغلال مثل هذه الظروف لدى كلّ استحقاق سياسي، كالانتخابات النيابية مثلاً، فمن المتوقّع أن تتزايد وتيرة الاعتداءات على الأجانب، مع اقتراب الانتخابات البلدية التركية في الـ31 من آذار المقبل. وإذ تدرك السلطات أن اللاجئين السوريين يشكّلون عبئاً على الدولة والمجتمع في بعض القطاعات، فهي ترى فيهم، في المقابل، مصدر ربح لها في غير مجال. فهم يشكّلون، أولاً، مادة ابتزاز لأوروبا، التي تجد نفسها مضطرة لدفع مزيد من الأموال للدولة التركية، في مقابل موافقة الأخيرة على إبقائهم لديها، ومنْع تدفّقهم إلى الدول الأوروبية. وثانياً، يُعدّ اللاجئون مصدر دعم انتخابي، إذ يُجنّس عشرات الآلاف منهم، والذين يقترعون حتماً لـ«حزب العدالة والتنمية». ورغم أن أعداد المجنسين ليست واضحة، فقد أوردت صحيفة «جمهورييات»، في افتتاحيتها يوم الـ29 من أيار الماضي، أن الرئيس رجب طيب إردوغان وصل إلى الرئاسة «بفعل أصوات المجنّسين من اللاجئين السوريين». أمّا ثالثاً، فإن الهدف من «احتضان» اللاجئين، توظيفهم في عملية إعادة تركيب البنية الديموغرافية للمجتمع السوري، في مناطق الشمال الغربي، عبر إعادة عدد كبير منهم، من مذهب وعرق معيّنَين، إلى مناطق الاحتلال، بدلاً من المناطق التي جاؤوا منها.
خلافاً لِما يُشاع، لا يوجد بعد مناخ جدّي معادٍ للأجانب في تركيا
وفي الإطار نفسه، سلّطت صحيفة «تركيا»، قبل أيام، في مانشيتها الرئيس، الضوء على جانب آخر من قضيّة الاعتداءات المتكرّرة والممنهجة على اللاجئين السوريين والأجانب في تركيا. وفي تقريره، نقل الصحافي، يلماز بيلغين، عن اللواء البحري المتقاعد، جهاد يايجي، والذي يعمل حالياً أستاذاً في جامعة «طوب قابى»، تحذيره من أن الاعتداءات على اللاجئين ربّما تخفي وراءها «مخاطر حدوث انقلاب عسكري جديد في تركيا»، على غرار انقلاب الـ15 من تموز 2016. ويتابع يايجي، في حديثه إلى الصحيفة، إن التحريض على اللاجئين السوريين هو جزء من «مؤامرة متعدّدة الجنسية ضدّ تركيا»، لافتاً إلى أن «الاستخبارات الأجنبية تخطّط للقيام بهذه المحاولة، واستخدام جماعة (فتح الله غولين) لهذه الغاية»، وهي الجماعة نفسها التي قامت بمحاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016. ووفقاً ليايجي، فإنه بعد فوز إردوغان بالرئاسة، تحوّلت جهود القوى الأجنبية في اتّجاه محاولة إشاعة الفوضى، بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتصوير السلطة على أنّها لم تَعُد قادرة على إدارة البلاد. وينصح، في ضوء ما تقدَّم، أنقرة، بالعمل على تطوير أساليب مواجهتها لجماعة غولين، لا سيما أنّ الأخيرة تختلف، في بنيتها، عن التنظيمات «الإرهابية» الأخرى، نظراً إلى أنها متغلغلة في جميع مفاصل الدولة والمجتمع. ويقول أصحاب هذا الرأي إنه بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا، في شباط الماضي، سعت الجماعات التابعة لغولين إلى تحويل «النقمة» السائدة آنذاك إلى عصيان مدني، محذّرين من أن تلك الجماعات تعمل، حالياً، على استثمار العداء للأجانب لـ«تمرير مخطّطاتها، وتحويل الشوارع إلى ساحات حرب أهلية». ومن جملة التوصيات الأخرى التي يقدّمها يايجي لتجنّب مثل هذه السيناريوات مستقبلاً، العمل على «تنظيف كامل المؤسّسات من بقايا جماعة غولين»، بما يتعدّى الإدارة العامّة والموظّفين، ليشمل الأحزاب السياسية، حيث تتبّوأ رموز تابعة للجماعة مواقع عليا. يُشار إلى أنّ جهاد يايجي هو صاحب نظرية «الوطن الأزرق» التي يدعو بموجبها تركيا إلى توسيع حدودها البحرية ونفوذها، ليشمل كامل شرق المتوسط، كما إلى تعميق التعاون مع ليبيا.
ويشارك الكاتب بولنت أوراق أوغلو، يايجي مخاوفه من أن جماعة فتح الله غولين هي في «أقوى مراحلها» اليوم، ولا تزال متغلغلة في نواحي الدولة والمجتمع كافة. ويقول أوراق أوغلو، في صحيفة «يني شفق» الموالية، إنه يجب «تبديد الشكوك والتساؤلات» التي تنتاب الرأي العام، محذّراً من أنه «لا يكفي، في هذه المعركة، الاعتماد على خطط الرئيس إردوغان»، ومن أنّ البلاد ستدفع غالياً ثمن «أيّ تردّد أو موقف ضعف»، واصفاً محاربة جماعة غولين بأنها «مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى تركيا»، معتبراً أن التسامح مع الجماعة «غير مقبول»، ولا سيما أنها تنتظر «إشارة لتستكمل مخطّطاتها».
ومن جهته، ينتقد الكاتب فؤاد أوغور، بشدّة، زعيم «حزب النصر الصغير»، أوميت أوزداغ، المعادي للاجئين السوريين، واصفاً إيّاه بـ«طابور خامس، يعمل لتقويض استقرار البلد»، وجماعته بـ«النازيين الجدد، الذين لا يتردّدون في مهاجمة كل لاجئ سوري أو عربي أو غربي يرونه، ليطعنوه بالسكين، ويسرقوا ما معه من مال». وقد دفعت مثل هذه التجاذبات الكاتب المعروف، فهمي قورو، إلى التحذير ممّا يجري، والدعاء لكي «يحفظ الله تركيا من الأشرار!».
وسعى بعض الكتاب الأتراك، في دورهم، إلى توجيه رسائل تهدف إلى توضيح مشكلة العداء للأجانب في تركيا، للرأي العام الإسلامي والعربي. ومن بين هؤلاء، الكاتب المقرّب من السلطة، ياسين أقتاي، الذي وجّه مع آخرين، عبر الفيديو، «رسالة مشتركة» إلى المسلمين والعرب، يشرحون فيها أن «حفنة قليلة من العنصريين الأتراك هم الذين يشوّهون صورة تركيا، التي لا مكان فيها للعنصرية ضدّ المسلمين والعرب والأجانب». ويتابع أقتاي أن مثل «هؤلاء العنصريين يحاولون إلحاق الضرر بالأخوّة العربية – التركية، كما فعلوا قبل مئة عام»، معتبراً أن «العنصرية غريبة عن القيم التركية كما العربية».
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار