آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » السوريون بين الإذعان والإعلان الدستوري

السوريون بين الإذعان والإعلان الدستوري

أسعد الأمير أحمد

 

في يوغسلافيا السابقة، كانت المادة 133 من قانون العقوبات تنص على تجريم أي نص يمكن أن يؤدي إلى إثارة التوتر والاستياء لدى الجمهور. وحين سألَ الفيلسوف سلافوي جيجيك سياسياً سلوفينياً كيف تبررون هذا القانون؟ ابتسم ورد غامزاً: حسناً لا بد لنا من امتلاك أداة ما لتربية أولئك الذين يزعجوننا، أداة تلائمنا ونختارها نحن.

 

قبل أن نخوض في الإعلان الدستوري السوري، تنبغي الإشارة إلى المادة 23 منه والتي سمحت بوضع ضوابط للحريات بحجج حمّالة أوجه كحماية النظام والآداب العامة والأمن الوطني.

 

وقد فات منظري الإعلان وكاتبيه أن أهم ميزة للديموقراطية أن سلطة الحكومة فيها تمتد إلى أعمال الناس لا إلى عقولهم وأفكارهم. وإن النص القانوني لتجريم أي فعل ينبغي أن يكون واضحاً لا تأويل فيه، فبمجرد احتمال وضع ضابط لحرية الناس من الممكن أن تشمل حرية الرأي والتعبير إنما تقوض شرعية السلطة ذاتها.

 

وقد دأب النظام السوري السابق على استخدام نص كالنص المستخدم في يوغسلافيا السابقة وألقى بمعارضيه في السجون بتهم إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة وفقاً للمواد 285 و286 من قانون العقوبات السوري، ولم تكن تلك النصوص سوى وسيلة ترهيب و تربية للذين يزعجون السلطة.

 

بالعودة إلى الإعلان الدستوري السوري الصادر في 13 آذار الجاري، انقسم رأي السوريون بين عدم رضى شريحة كبيرة منهم وخشيتهم من تركيز السلطة وعودة الاستبداد وكان بالنسبة إليهم أقل مما طمحوا إليه طوال 14 عاماً فاعتبروه إذعاناً دستورياً للشعب، بينما على المقلب الآخر نرى مؤيدي السلطة يدافعون عنه دفاعاً لا حدود له، لا لمنطق قانوني ودستوري بل لمنطق عاطفي، وما زالوا حبيسي أصنام العقل التي تحدث عنها فرنسيس بيكون ومنها التحيز أو تبني الرأي الذي يلائم الهوى، فيتم إجبار كل شيء على أن يؤيد هذا الرأي ويتفق معه، رغم وجود شواهد كثيرة على النقيض لكن يتم إهمالها وتجاهلها وتبريرها لتأكيد أن رأيهم هو الصواب.

 

لقد غيّر الإعلان الدستوري شكل نظام الحكم في سوريا من النظام شبه الرئاسي الذي اعتمده دستور 2012 و دستور 1973 وهو نظام متداخل بين البرلماني والرئاسي، ولِد في فرنسا في عام 1958 بعد وصول شارل ديغول للحكم، وكان دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة، وقد وسع صلاحيات رئيس الجمهورية حينها وأنشأ ما يسمى النظام شبه الرئاسي.

 

ولذلك، لا تنبغي مقارنة الإعلان الدستوري إلا مع نظام رئاسي، ويُعتبر الدستور الأميركي تقليدياً مثالاً للأنظمة الرئاسية حيث يقوم على رأس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية وهو من يعين الوزارء ويقيلهم وهم مسؤولون أمامه فقط. بينما يقوم على السلطة التشريعية البرلمان المنتخب شعبياً الذي يتولى تشريع القوانين والذي لا يملك الرئيس حق حلّه. وكذلك لا يملك البرلمان حق عزل الرئيس، وعلّة ذلك أن كليهما منتخبان من الشعب، فلا تميز لأحدهما على الآخر كونهما يمثلان الإرادة الشعبية.

 

ولكن في الإعلان الدستوري السوري نجد الشذوذ عن هذه القاعدة بسيطرة السلطة التنفيذية على التشريعية في المادة 24 من الإعلان والتي أقرت تعيين ثلث البرلمان من قبل رئيس الجمهورية، إضافة إلى صلاحيته بتشكيل لجنة الإشراف على تشكيل هيئات ناخبة والتي تنتخب بدورها الثلثين الباقيين للبرلمان، وهو الأمر الذي يكسر قاعدة الفصل بين السلطات حيث أصبح الرئيس يملك الثلث إضافة إلى تأثيره المباشر ونفوذه باختيار الثلثين الباقيين، وهذا سيؤثر دون شك على إصدار القوانين التي قد لا تتوافق مع رغبة الرئيس فيمكنه الاعتراض عليها وعدم تمريرها بالتواطؤ مع البرلمان الذي يحوز فيه نفوذاً كبيراً. ومن الممكن كذلك الإيعاز للبرلمان لسن تشريعات يرى الرئيس ضرورتها من وجهة نظره، وهنا يغدو الحديث عن فصل السلطات مجرد تنظير قانوني لا طائل منه وتفقد المادة الثانية من الإعلان التي تنص على الفصل بين السلطات معناها.

 

أيضاً نرى الشذوذ الثاني في الشق القضائي حيث تم منح الرئيس الحق المطلق بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا دون موافقة أحد، مخالفاً النظام الرئاسي التقليدي حيث في أميركا يقوم الرئيس بتعيين أعضاء المحكمة العليا بعد موافقة البرلمان ولا يحق له عزلهم، الأمر الذي يمنح المحكمة الحرّية الكاملة في أن تقضي بعدم دستورية أي قرار تتخذه السلطة التنفيذية وعدم دستورية أي تشريع قد يصدره البرلمان، فتكون رقيباً غير خاضع لضغط العزل أو فقدان الوظيفة أو تحيز أو محاباة.

 

أما وأن تعيينها قد أعطاه الإعلان للرئيس وحده دون تحديد آلية مراقبة وضمان نزاهة القضاة المعينين، فالأمر يجعل من الرئيس المسيطر أيضاً وذي النفوذ في أهم محكمة، فضلاً عن أن أهم اختصاصاتها الدستورية كان محاكمة رئيس الجمهورية وذلك قبل حلّها بموجب الإعلان ذاته، ما يجعل الرئيس مُحصناً من أي اتهام.

 

يؤخذ أيضاً على الإعلان الدستوري تحديد المدة الانتقالية بخمس سنوات، فهي مدة طويلة إذا ما قارنّاها بإعداد الدساتير السورية كاملة منذ عام 1920 وحتى 2012، وحتى بالمقارنة مع الثورة الفرنسية فقد وضع الدستور الأول بعد سنتين من بدء الثورة في عام 1791.

 

وبالتالي، إنّ الخمس سنوات هي مدة يخشى البعض من أن تستطيع السلطة فيها التمكّن والسيطرة على المجتمع والمؤسسات وضمان استمراريتها مستقبلاً بعد أن وجدنا تركيز السلطة التنفيذية وتأثيرها بشخص الرئيس في باقي السلطات.

 

ويؤخذ عليه أيضاً عدم ذكر كلمة الديموقراطية عند التعريف بالجمهورية في المادة الأولى منه، وهي التي فسرها الكثيرون بأن إغفالها مقصود، ويخشون من هذا الأمر ومن فرض الأمر الواقع خلال السنوات الخمس القادمة. وقد بررها مؤيدو السلطة بأنه طالما أن الإعلان اعترف بالمعاهدات والمواثيق الدولية فإن الديموقراطية قد ورد ذكرها في تلك المواثيق ولذلك هي واردة ضمناً دون الحاجة إلى ذكرها.

 

ويبدو هذا التبرير هشاً ومجرد تحايل قانوني لتبرير إغفالها، فهل يُعقل أن الذين طالبوا بالديموقراطية منذ 14 عاماً يجدون أنفسهم مطالبين اليوم بالبحث في المواثيق الدولية ليُحسنوا الظن بالسلطة وتتبدد مخاوفهم، كل ذلك لأن إعلانهم الدستوري ضاق بها فأغفل ذكرها.

 

هذا الإعلان الدستوري الذي يؤيده كثر ويعدّونه مثالاً مُشتهى ويرفضه أيضاً كثر ويعدّونه إذعاناً لم يُستشر به أحد، ما يعنينا منه أنه سيؤسس للدولة السورية الجديدة التي ستكون بين خيارين يوردهما الدكتور أحمد فتحي سرور في كتابه «الحماية الدستورية للحقوق والحريات من حيث علاقة الدولة بالقانون» فيقول إن الدولة البوليسية حددت دور القانون بأنه مجرد أداة بواسطته تتصرف الإدارة بمشيئتها المطلقة، إلا أن الدولة القانونية لا تجعل القانون مجرد أداة لعملها بل تجعله أداة لتقييد سلطاتها لمصلحة الحقوق والحريات بجميع صورها. وعليه، نأمل أن تتحقق الدولة القانونية بعد عقود من الدولة البوليسية.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١_الأخبار

 

* محامٍ سوري

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لماذا تشتعل المُواجهات الدمويّة على الحُدود السوريّة- اللبنانيّة فجأةً؟ ومن يقف وراء اغتيال الجُنود السوريين الثّلاثة؟ وأين يكمن الخطر الحقيقي على “سورية الجديدة”؟

عبد الباري عطوان أثارت الاشتباكات وأعمال القتل التي وقعت على الحُدود اللبنانيّة- السوريّة في اليومين الماضيين حالةً من القلق غير مسبوقة تعكس حالةً من الفوضى ...