“أنا ضد السطحية، ولكني مع البساطة وما يمكن أن يطلق عليه السهل الممتنع، ولست ضد الغموض عندما يوظف في مكانه الصحيح، فمن سطح مائي الشعري النقي يظهر العمق، وما أروع البساطة عندما تتسم بالجدة والعمق وتقترن بالصورة”.
بهذه الكلمات عبر الشاعر صقر عليشي في حفل توقيع كتابه “اللمحات” في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب مضيفاً بأن اللمحات شكل مختلف عما كتبته سابقاً، فأنا بطبعي لا أحب التكرار، وقد بدأت بكتابة اللمحات تباعا، ورغم حداثته فقد حظي باهتمام النقاد والباحثين، ربما لأنه جديد في موضوعاته وعناوينه، وفيه معالجة فنية واجتماعية وفلسفية للأفكار الجديدة.
ويقول: أحاول أن أصوغ قصائدي على نار هادئة، وفي كل مرة أكتب قصيدة أشعر بالخوف والتردد، وكأنني لأول مرة أقتحم عالم الشعر، ولم أدخل يوما عالم الشعر والقصيدة بشجاعة، ولا أشعر بالاطمئنان إلا بعد أن تصلني ردود أفعال المتلقي والناقد.
ويعبر عن نفسه بكلمات.. إنسان بسيط جدا، عميق جدا، كثيرة محرضات الشعر عندي” الحب، الشأن العام، فكرة محلقة، فلسفة .. ألتقطها وأصوغها شعرا، والعامل الأهم هو المرأة التي تسكن روحي.
وفي مداخلتها استعرضت الأديبة ميرفت علي جماليات الأداء الشعري في كتاب اللمحات تناولت فيه خصائص أسلوب الشاعر صقر عليشي والتي رأت أنها ميزت ديوان” اللمحات عن غيره من دواوين الشاعر صقر، علما أنها عامة ومشتركة بين مجموعاته الشعرية كافة.
البساطة والعفوية..
وتوقفت بالشرح عند كل سمة، مع إبراز الشواهد الشعرية الداعمة، فهناك البساطة في لغة الشعر الانسيابية والعفوية في التعبير، وأثبت الشاعر إلى جانب ذلك قدرته على مجاراة الشعراء القدماء في تطعيم اللغة الشعرية لديه، رغم بساطتها بألفاظ قوية وبليغة مستمدة من لغة الخطاب القرآني ولغة الشعر العربي القديم.
وأضافت علي: اعتمد الشاعر أسلوب التقطيع الصوتي ليجد القارىء الراحة في القراءة وفي الاستماع على المنبر، أما الانزياح اللغوي اللفظي والتركيبي والاستدلالي فكان سمة فنية بارزة في ديوان كتاب” اللمحات” ما جعل التراكيب تغدو مشرقة وموحية وتعبر بشكل فني عن أغراض الشعر عند الشاعر القدير في التحكم بأدواته الفنية، ويأتي أسلوب الاستفهام الاستنكاري كدعوة من الكاتب إلى قارئه للمشاركة في الخطاب الشعري وتبديد الرتابة وتوقيد الذهن كما في قوله:
لو استمع المتنبي لما قلت له.. وخلى مع الخود أيامه
وأوسع شعره في شعره.. أما كان أجدى لنا وله.. ترى ما الذي رده؟
الإيقاع الجميل..
وعن الموسيقا الداخلية والخارجية والجمالية والإيقاع الجميل في نصوص اللمحات كان هناك حديث طويل تقول الأديبة ميرفت علي: يتميز الكتاب بالعناية بالتكثيف الصياغي والاهتمام بالبلاغة، أما مضمون الديوان فهو جريء في طرح الأفكار وتنويعها، ونوهت بدورها إلى علاقة صقر عليشي مع الأدباء العرب الأوائل، حيث ومن باب الدعابة عمد الشاعر إلى إسداء النصح لهم وعاتبهم على أنماط حياتهم التي أعاقت وصولهم إلى غاياتهم في الحياة، ومنهم المتنبي على سبيل المثال.
ويلاحظ القارىء عناية الشاعر بالأفكار المستبعدة والمنسية والهامشية ومنحها حق الظهور والعوم على سطح الإدراك مثل”الغبار، الباب، الدروب، الشمعة، الحنين ..” وغيرها كثير، مما لم يتطرق إليه الشعراء، ولفتت بدورها إلى عناية الشاعر بخواتيم أشعاره التي جاءت مدهشة في بعض الفقرات وفي نهايات بعض القصائد، وعمر أبو ريشة واحد من الشعراء الذين أجادوا هذا الأسلوب.
المعنى الموارب.
وبينت أن قلب المعاني والدلالات إلى نقائضها، وترك المعنى مواربا، إضافة إلى رقة الإحساس ورهافة المشاعر عند الشاعر اللماح صقر عليشي، مزايا بارزة، والتلطف في استحضار الأسطورة والتراث ومنجزات العلم والفلسفة كلها دخلت دخولا موفقا في حرير القصيدة لديه وأشارت إلى سموه وثقافته وحسن استخدامها في النص.
وخلصت الأديبة ميرفت علي إلى الاستنتاج بأن السمة الذهنية وطرح الأفكار الوجودية كانت من سمات النص الشعري في ديوان اللمحات، واعتبرت أن الشاعر صقر عليشي، هو شاعر المعنى في المقام الأول وثقافته وشعره يثيران الإلهام والتلقي إلى حد كبير.
وفي نهاية الحفل قدم بعض الحضور مداخلات عبرت عن تميز الشاعر في أسلوبه وطرحه للأفكار الجديدة بطريقة معاصرة تعبر عن ثقافة الشاعر وروحه الهائمة في عالم البساطة والعمق في الآن نفسه.
وقرأ الشاعر بعضا من قصائد ديوانه” اللمحات” ومن ثم وقع كتابه في حضرة الأصدقاء من عشاق شعره ومتابعي نتاجاته الجديدة.
سيرياهوم نيوز 4_الثورة