آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » الشرعية… حين ينطق الوجدان الشعبي

الشرعية… حين ينطق الوجدان الشعبي

 

د. سلمان ريا

الشرعية ليست ورقةً تُوقّع، ولا ختمًا يُمنح، ولا اعترافًا يُستورد من الخارج. فالشرعية، في معناها الأصيل، هي الصلة الخفية التي تربط الحاكم بالمحكوم، والفاعل السياسي بالناس الذين منحوه ثقتهم. إنها ليست سلعة في السوق ولا امتيازًا يُوزَّع، بل لحظة صفاء بين الشعب وصوته، وبين الجماعة وصورتها عن نفسها، وبين الإنسان وحقه في أن يكون شريكًا فاعلًا في تقرير مصيره.

كل محاولة لانتزاع الشرعية بعيدًا عن الشارع هي اغتراب في جوهر السياسة. والسياسي الذي يطلبها عند العواصم البعيدة أو على موائد المساومات، يشبه من يبحث عن الروح في جسدٍ بلا نفس. فالناس وحدهم هم خزّان الشرعية، وصوتهم وحده هو الذي يهب المعنى للحاضر ويمنح الأفق للمستقبل.

لقد أُنهكت البلاد بكثرة المتحدثين باسمها، وبوفرة الذين يزعمون تمثيلها. بعضهم جعل من الجماعة التي ينتمي إليها سلّمًا لمصالحه الشخصية، وبعضهم استعار لسانها ليخاطب الخارج، متوهمًا أن الشرعية يمكن أن تُستجلب كما تُستورد البضائع. لكن وجدان الشعب أعمق من أن يُخدع، وأصدق من أن يُستبدل. فالشارع، مهما بدا مثقلاً، يظل يقظًا في داخله، يرفض أن يُختزل في صورة مصطنعة، أو يُباع في مزاد الطامعين.

السياسة، في جوهرها، ليست إدارة للصراع فحسب، بل هي إدارة للمعنى. وحين ينقطع السياسي عن وجدان الناس، يفقد السياسة بعدها الوجودي، فتغدو مجرد لعبة سلطوية بلا روح. أما حين يتناغم الفعل السياسي مع الحلم الشعبي، يتحول إلى فعل وجداني جماعي، إلى لحظة مصالحة بين الإنسان وواقعه، وبين الشعب وصورته عن ذاته.

الناس لا يحلمون بالمعجزات، بل بالعدالة البسيطة، بالكرامة اليومية، وبالحق في أن يعيشوا دون خوف. ومن يستهين بهذه الأحلام، إنما يستهين بجوهر إنساني لا يزول. فالسياسي الحق ليس من يراهن على ضعف اللحظة، بل من يراهن على قوة الوجدان المتجذر، وعلى ذاكرة الناس التي لا تنسى، وعلى قدرتهم الدائمة على النهوض من تحت الركام.

إن الشرعية، في معناها الأعمق، ليست علاقة سياسية فحسب، بل علاقة أنطولوجية: علاقة الكائن بوجوده، والجماعة بذاتها، والوطن بمعناه. وحين يعي السياسي هذه الحقيقة، يتحرر من وهم السلطة بوصفها امتلاكًا، ليراها عهدًا ومسؤولية. عندئذٍ فقط، يغدو العمل السياسي امتدادًا للوجدان الشعبي، لا قطيعة معه، وتتحول السياسة إلى فضاء يُعاد فيه تعريف الحرية والكرامة، لا إلى سوقٍ لتصريف الولاءات.

وهكذا يبقى الشارع هو الأصل، ويظل الحارس الأخير للمعنى. وكل ما عداه من تمثيلٍ زائف، أو سلطةٍ مقطوعة الجذور، فمصيره الزوال. وحده الشعب، بحلمه وصبره، يكتب النص الباقي للتاريخ، ويصنع وطنه الذي يليق به، وطنًا لا يُشترى، ولا يُفرض، بل يُحفظ ويُستحقّ بكل معنى الكرامة والحرية.

 

 

 

 

(موقع أخبار سوريا الوطن-2)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رحيل الخبرات ..!!

  سليمان خليل لا يكادُ يمضي يوم إلا ونسمع عن رحيلِ واحد من خبرات العلم والكفاءة في مجال من مجالات العمل المختلفة- والرحيل هنا رحيل ...