تضع لجنة الحوار، اليوم، لمساتها الأخيرة على «طبخة» الحوار الوطني الصوري، والذي يناقش ستة محاور خلال بضع ساعات بمشاركة نحو 550 شخصاً، على أن يتم رفع توصيات المؤتمر إلى الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، من دون أن تكون هذه التوصيات ملزمة، في وقت أعلن فيه الاتحاد الأوروبي رسمياً تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، في سياق المساعي التي تقودها فرنسا وألمانيا لتوسيع النفوذ الأوروبي في هذا البلد.
وسبقت «مؤتمر الحوار»، سلسلة لقاءات، أعلنت اللجنة أنها بلغت نحو 30 جلسة، شملت المحافظات السورية والسياسيين و«المؤثّرين»، ولم يعلن عن معظمها، وتخللتها إشكالات تنظيمية عديدة، أبرزها طريقة توجيه الدعوة إلى المشاركين فيها، والاستعجال المبالغ فيه في عقدها، إلى جانب عدم الخروج بأي نتائج حقيقية منها. ويأتي ذلك وسط إقصاء متعمّد لشرائح عديدة من المجتمع السوري، بينها أحزاب فاعلة وقوى موجودة على الأرض كفصائل الجنوب (السويداء)، والأكراد في «الإدارة الذاتية»، والذين يخوضون جولات من المفاوضات مع الإدارة السورية الجديدة في سياق وساطة فرنسية – أميركية.
وكشفت مصادر سورية مطّلعة على لقاءات الحوار، وتفاصيل الاعتداد للمؤتمر، في حديثها إلى «الأخبار»، أن الخطة التي كانت تعمل وفقها اللجنة كانت تتطلّب وقتاً أطول، غير أن أوامر صدرت من قيادة الإدارة السورية الجديدة طلبت «الاستعجال» في عقد المؤتمر لأسباب سياسية، بينها تقديم مبرّرات للاتحاد الأوروبي الذي عمد إلى تخفيف العقوبات، إلى جانب الالتزام بتعهّدات سابقة تتعلق بتشكيل حكومة كفاءات موسّعة مطلع آذار المقبل، وهو إجراء يجب أن يُطوى قبله ملف الحوار.
وبالتزامن مع وضع اللمسات الأخيرة على ملف الحوار الوطني، أعلن الاتحاد الأوروبي، أخيراً، وبشكل رسمي، تعليق عدد من العقوبات المفروضة على سوريا، ضمن جهود بروكسل لدعم انتقال سياسي شامل في البلاد، وتعزيز التعافي الاقتصادي السريع، وإعادة الإعمار، وتحقيق الاستقرار. وذكر بيان صادر عن الاتحاد الأوروبي، أن الهدف من القرار هو تسهيل التعاون مع سوريا في مجالات الطاقة والنقل، بالإضافة إلى تيسير المعاملات المالية والمصرفية المرتبطة بهذه القطاعات، فضلاً عن المعاملات الضرورية للأغراض الإنسانية وإعادة الإعمار. وبحسب البيان، تشمل الاستثناءات قطاعَي الطاقة (بما يشمل النفط والغاز والكهرباء) والنقل، إلى جانب إزالة خمس مؤسسات مالية واقتصادية من قائمة الكيانات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية (بنك الصناعي، بنك التسليف الشعبي، بنك الادّخار، البنك التعاوني الزراعي، والخطوط الجوية العربية السورية).
ويضاف إلى ما تقدّم، السماح بإتاحة الأموال والموارد الاقتصادية للمصرف المركزي السوري، وإدخال بعض الاستثناءات على الحظر المفروض على إقامة علاقات مصرفية بين البنوك السورية والمؤسسات المالية في دول الاتحاد الأوروبي، بما يتيح تنفيذ المعاملات المرتبطة بقطاعي الطاقة والنقل، إضافة إلى المعاملات الضرورية للأغراض الإنسانية وإعادة الإعمار. كما تم تمديد العمل بالإعفاء الإنساني القائم إلى أجل غير مسمى، إلى جانب استثناء يسمح بتصدير السلع الفاخرة إلى سوريا للاستخدام الشخصي. وذكر الاتحاد، في بيانه، أنه سينظر في إمكانية تعليق مزيد من العقوبات الاقتصادية، مع مراقبة الوضع عن كثب لضمان أن تظل هذه التعديلات ملائمة ومتناسبة مع المستجدات، على أن تبقى العقوبات المفروضة على نظام الأسد، والتي تشمل قطاع الأسلحة، والمواد ذات الاستخدام المزدوج، والمعدات المستخدمة في القمع الداخلي، وبرامج المراقبة والتنصت، وتجارة الآثار السورية.
مصادر «الأخبار»: طلبت قيادة الإدارة السورية الجديدة «الاستعجال» في الوصول إلى المؤتمر لأسباب سياسية
في غضون ذلك، يزور الشرع، غداً، الأردن، بصحبة وزيرَي دفاعه مرهف أبو قصرة، وخارجيته أسعد الشيباني، لإجراء لقاء مع الملك الأردني، عبدالله الثاني. ومن المرتقب أن يناقش الطرفان آخر المستجدات في الجنوب السوري الذي يتعرض لاحتلال إسرائيلي مستمر، ومحاولات دعم تحركات انفصالية. ويأتي هذا اللقاء قبل أيام من مشاركة منتظرة للشرع في الاجتماع الطارئ لمجلس «جامعة الدول العربية»، والذي سيُعقد في الرابع من آذار 2025 في العاصمة المصرية القاهرة، للإعلان عن رفض مخطط التهجير الإسرائيلي، والذي تبنّته الإدارة الأميركية، وتقديم طرح عربي موحّد يقابل الطرح الأميركي.
بموازاة ذلك، سافر الشيباني إلى أنقرة لمقابلة وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، وإجراء لقاء ثلاثي يضمّه وفيدان إلى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي يزور تركيا لمناقشة جملة من الملفات بينها الملفان السوري والأوكراني، قبل أن يسافر إلى طهران لعقد محادثات مع نظيره الإيراني عباس عراقجي. ويأتي هذا اللقاء الثلاثي في سياق المساعي التركية لإعادة ترتيب العلاقات الروسية – السورية إثر سقوط نظام بشار الأسد، خصوصاً بعدما أبدت روسيا تفاؤلاً حيال العلاقات مع الإدارة السورية الجديدة، والتي أعلنت، من جهتها، مراراً رغبتها في بناء علاقات متينة مع روسيا.
وخلال مؤتمر صحافي عقده فيدان ولافروف، رأى الأخير أنه يتوجب تقديم دعم حقيقي للحكومة السورية الجديدة، مشيراً إلى أنه ناقش مع فيدان آخر التطورات في الملف السوري، مشدّداً على أهمية التعامل مع الواقع الجديد. وقال الوزير الروسي، بحسب وكالة «سوبتنيك»، «(إننا) عبّرنا عن ارتياحنا للمستوى الذي تم تحقيقه في التعاون بين بلدينا بشأن القضايا السورية، وأكّدنا اهتمامنا المشترك بإضفاء ديناميكية جديدة على العمل المشترك لحل الوضع في هذا البلد، مع الأخذ في الاعتبار الحقائق المستجدة».
وأضاف، في تناغم مع المساعي التركية للضغط على القوات الكردية، ومحاولة إخراج الولايات المتحدة من سوريا، أن «الولايات المتحدة أنشأت شبه دولة في شمال شرقي سوريا بهدف دعم الانفصاليين»، وهو الاتهام الذي توجهه أنقرة أيضاً إلى الأكراد في «الإدارة الذاتية»، والذين يتلقّون دعماً مباشراً من واشنطن، وباريس.
وترتبط التحركات الروسية المستجدة، والتي يقودها لافروف حول سوريا، بضمان استمرار الوجود العسكري الروسي في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، بالإضافة إلى حماية بعض المصالح الاقتصادية الروسية، وبينها بعض الاستثمارات التي منحها الرئيس السوري السابق لموسكو سابقاً، وأعلنت الإدارة السورية الجديدة مراجعتها، من دون المساس بها، باستثناء ملف استثمار مرفأ طرطوس من قبل شركة روسية، والذي تمّ فسخه.
أخبار سوريا الوطن١_الأخبار