استمراراً للنهج العربي الجديد الذي تقوده قطر، وعنوانه الانفتاح على السلطات السورية الجديدة التي تقودها «هيئة تحرير الشام» بزعامة أحمد الشرع، شهدت دمشق، خلال اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً وأمنياً متواصلاً، في إطار بناء علاقات عربية – سورية، من جهة، واستكشاف طبيعة السلطات الجديدة من جهة أخرى. وفي هذا السياق، جاءت زيارة رئيس جهاز المخابرات العراقية، حميد الشطري، الذي أجرى لقاءً مطوّلاً مع الشرع، ووزير خارجيته أسعد الشيباني، بالإضافة إلى الشخصية الجديدة الوافدة على هرم السلطة في سوريا، وهو رئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب (يُعرف باسم «أبو أحمد حدود»)، الذي يُعد إحدى أكثر الشخصيات حساسية بالنسبة إلى العراق، بسبب تاريخه «الجهادي» الطويل العابر للحدود بين البلدين، ودوره القيادي في عمليات نقل «الجهاديين» من وإلى العراق.
يتوافق تعيين «أبو أحمد حدود» رئيساً لجهاز الاستخبارات مع الهيكلية التي يعمل الشرع على ترسيخها في سوريا بعد قبضه على الحكم، عبر تعيين الأشخاص المقرّبين منه في مفاصل الدولة، بما فيها الوزارات السيادية، والتي يقول إنها «مرحلية». غير أن هذا الأمر قد لا يشمل جهاز الاستخبارات الذي يبقى عادة بعيداً عن أي تغييرات حكومية، ما يفتح الباب أمام ترسيخ القبضة الأمنية، عبر الاستعانة بأحد أكثر الأشخاص ثقة بالنسبة إلى الشرع.
وتحمل الزيارة العراقية التي تُعتبر الأولى من نوعها إلى دمشق، بعد سقوط نظام بشار الأسد، في طياتها، تساؤلات عديدة من الجانب العراقي، الذي اختار البدء من الباب الأمني قبل اتخاذ أي خطوة أخرى، خصوصاً أن السلطات الجديدة في سوريا تشترك في تاريخها مع تنظيم «داعش»، الذي لا يزال العراق يحاول نفض غباره. ويأتي هذا وسط مخاوف مستمرة من عودة نشاط التنظيم، الأمر الذي دفع العراق إلى اتخاذ موقف حازم، قبل نحو شهر، من تحركات الفصائل التي سيطرت على حلب في البادية قبل أن تنطلق نحو المحافظات الأخرى. ويؤشّر حضور أنس خطاب اللقاء إلى شكل الخطوات التي يتبعها الشرع لبناء أرضية للثقة، وإزالة المخاوف، بالإضافة إلى تأكيده أن سوريا لن يكون لها أي دور مستقبلي في الصراعات الدائرة في محيطها، وأنها ستمد يدها نحو الجميع.
حذّر لافروف من تكرار سيناريو ليبيا في سوريا
وبالتوازي مع المباحثات السورية – العراقية، تابعت دول الخليج انفتاحها المستمر على سوريا، بدفع قطري، لتنضم الكويت إلى العواصم المنفتحة على دمشق، عبر اتصال هاتفي بين وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، الشيباني، ونظيره الكويتي عبدالله اليحيى. وقالت الخارجية الكويتية إن الجانبين تناولا «التطورات في سوريا، وسبل تعزيز العلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين والشعبين الشقيقين». كذلك، تلقّى الشيباني اتصالاً هاتفياً من وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، وليد اللافي، أكّد فيه الأخير دعم ليبيا للشعب السوري وإدارته. ويُعتبر الاتصال الليبي من قبل حكومة طرابلس، بطبيعة الحال، تحصيلَ حاصل، في ظل الدعم السياسي الكبير الذي تتلقاه هذه الحكومة من قبل أنقرة، وهي العلاقة نفسها، تقريباً، التي تربط السلطات السورية الجديدة بتركيا، التي أصبحت تملك اليد الطولى في سوريا بعد سقوط الأسد. وفيما تمتلك تركيا، بموجب العلاقة مع حكومة طرابلس، اتفاقية تسمح لها بوجود عسكري على الأراضي الليبية، يمكن من خلال ذلك استشراف الخطوات العسكرية التركية المقبلة في سوريا، خصوصاً بعد بدء الحديث عن توقيع اتفاقيات عسكرية تسمح للجيش التركي بالتمركز في بعض المواقع السورية.
كذلك، أعلن الشيباني عن اتصالات عديدة عربية وإقليمية. وكتب عبر حسابه موقع «إكس»: « سعدت اليوم باتصال السادة وزراء خارجية دول الكويت، والبحرين، ولبنان، وتركيا، ووزير الدولة في الخارجية القطرية ووزير الدولة والاتصالات في الحكومة الليبية». وتابع: «شعرت بامتداد سوريا الإقليمي وعمق العلاقة مع الدول العربية، لافتاً إلى أن الأيام القادمة ستشهد «تعاوناً كبيراً بين سوريا ومحيطها العربي على كلّ الصعد؛ لتحقيق تطلعات وآمال شعبنا العظيم في سوريا الجديدة».
وفي غضون ذلك، بحث وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، ونظيره الإماراتي، عبدالله بن زايد، تطورات الأوضاع في سوريا. وذكرت وكالة «الأناضول» التركية أن الوزيرين ناقشا خلال اتصال هاتفي آخر المستجدات، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية. وتبرز الإمارات كقوة إقليمية في مواجهة التمدد التركي في سوريا، في ظل الارتباط التاريخي بين «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، وجماعة «الإخوان المسلمين».
أما روسيا، فأكّد وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، أن بلاده لن تسمح بانهيار سوريا أو تقسيمها، «على الرغم من أن البعض يرغب في ذلك». وقال، في تصريحات نقلتها وكالة «ريا نوفوستي»، إن تصرفات الولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا، تنتهك مبدأ السيادة غير القابلة للتقسيم، مضيفاً أن تلك التصرفات تتهدّد بانهيار البلاد، وشدّد على أهمية «فهم إسرائيل لمسؤوليتها تجاه الجهود المشتركة، وعدم محاولة ضمان أمنها على حساب أمن الآخرين»، في إشارة مباشرة إلى احتلالها مناطق في الجنوب السوري. كما شدّد لافروف على أنه «من المهم جداً التعامل مع شرق سوريا، حيث احتل الأميركيون بشكل غير قانوني جزءاً كبيراً من الأراضي، والمناطق التي تقع فيها حقول النفط الرئيسية الأكثر خصوبة». وتابع أن «كل هذا يتم استخراجه وتصديره، وتذهب الأموال لدعم الهياكل الانفصالية التي أنشأها الأميركيون شرق الدولة السورية»، في إشارة إلى «الإدارة الذاتية» التي تقودها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد). وإذ أكّد لافروف تواصل بلاده مع السلطات السورية الجديدة، فهو حذّر من تكرار سيناريو ليبيا في سوريا، بعد سقوط النظام السوري. وقال: «نتواصل مع السعودية والعراق والأردن ومصر وقطر والإمارات والبحرين ولبنان، وجميعهم مهتمون بضمان عدم تكرار سوريا للمسار الذي سلكته الدولة الليبية، بعد أن دمّر حلف الناتو ببساطة هذه الدولة».
(أخبار سورية الوطن١_الأخبار)