مالك صقور
قال الشاعر الأنكليزي روديارد كيبلنغ عام 1892 عندما كانت الهند مستعمرة بريطانية : ” الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا ” . وجاء من يدحض هذه المقولة ، بعد ظهور الأمم المتحدة ، وتطور العلاقات السياسة والإقتصادية ، وانحسار (( الآستعمار )) شكلاً في الظاهر ، لكن في الحقيقة بدّل الاستعمار جلده وملابسه وصار أشد وأدهى وأخطر وأشرس . وأنا منذ زمن بعيد لا أتكلم في السياسة ، نعم منذ زمن بعيد جدا ً طلقت السياسة ، ليس لأني مع مجموعة كبيرة ، كبيرة جداً من الرفاق وحتى من الأحزاب فشلنا فشلاً ذريعاً في تحقيق هدف واحد من أهدافنا ، ولا أقول من أحلامنا فحسب ،بل لأنه منذ زمن ماض بعيد اختفى المناخ الطيب والصالح للعمل السياسي . وكان الأدب هو الملجأ ، ونعم الملجأ والملاذ ، لكن الأديب رئيف خوري قال : ” لا يوجد أدب بلا سياسة ولكن هناك سياسات بلا أدب “.
البرفسور إدوارد سعيد في كتابه ” الثقافة و الإمبريالية ” يؤكد مقولة كيبلنغ . وإن كان اللقاء بين الغرب والشرق قد تم في الظاهر . ففي الجوهر والمضمون والباطن مازال الفرق بين الغرب والشرق واضحاً وساطعاً . والأدلة والبراهين أيضاً واضحة ، منها : كتاب نهاية التاريخ ل فوكوياما عندما تفكك الاتحاد السوفيتي ، وكتاب صموئيل هنتغتون صراع الحضارات . ولهذا حديث آخر .
ومناسبة هذا الحديث ، رسالة وصلتني على (( الواتس آب )) من بكين ، رسالة من زميلة صحفية روسية كنا على مقعد دراسي واحد ذات عمر . كانت في سورية عام 2012 جاءت لتغطية الأحداث ، وبقيت شهرين وتعرضت لحادث ونجت منه وغادرت ، وبقينا على اتصال . الرسالة طويلة ، سأنشرها في حيز آخر ، وسأذكر ما يخص العنوان .
…” تذكر كم حلمنا أن نزور الصين . اليوم تحقق الحلم لكن من دونك . حضرنا الأحتفال الكبير ، في الساحة الكبرى ، وقد شهد العالم بأسره هذا الاحتفال بيوم النصر في الذكرى الثمانين . وجرى العرض والاستعراض ، للقوات العسكرية الصينية ، وكافة التشكيلات البرية والجوية والبحرية ، والمدهش هو النظام الصارم الحازم وشدة الانضباط ،واللافت أيضا هو العنصر النسائي . وبدأ المشاهدون همساً يقولون : إن الصين تعرض قوتها و قدراتها ، تعرض ( عضلاتها ) ، والأهم كان عرض القوة العسكرية النووية ، والصواريخ عابرة القارات . .ولا أعرف إن كنت تتابع الأخبار ، فخطاب الرئيس الصيني كان أيضاً قوياً و لافتا ، لقد ردد عدة مرات : الحرب والسلم . وأكد أن أحداً لايريد الحرب ولا يحبها ، ولكن إن حصلت فهو مستعد لها ، وقال : إن نهضة الأمة الصينية لا يمكن إيقافها . كما اعتبر أن القضية النبيلة تكمن في السلام ، وأن الإنسانية حتما ستنتصر . وحذّر من تكرار مآسي الماضي . ونوّه عن قوى الظلام والنور ، عن الخير والشر ، عن قوى التقدم والرجعية . وأكد على الالتزام بالاشتراكية على الطريقة الصينية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني .
خطاب الرئيس الصيني – رسالة قوية للغرب ، رسالة تحمل النصائح والتحذير والإنذار . والرسالة الأوضح هي : كيف تصدر المشهد الزعماء الثلاثة… الرئيس الصيني على يمينه الرئيس الروسي ، وعلى يساره الزعيم الكوري الشمالي . مشهد الزعماء الثلاثة وهم يتصدرون مسيرة الضيوف إلى المنصة الرئيسية ، لفت أنظار العالم ، وخاصة في الغرب . وهذا كان أيضا رسالة . الآن بدأت الحرب الباردة ، لأن القوة التي هدد بها الرئيس الصيني مع حلفائه كفيلة بالردع والتفكير طويلاً بإشعال حرب تهدد مصير الكرة الأرضية . الآن أيضاَ ، يمكن الحديث عن ولادة نظام عالمي جديد ، متعدد الأقطاب . لكن الذي بدا واضحاً جداً ، يا صديقي ، في هذا المشهد : هو الشرق والغرب . ولقد تحول بنادول التاريخ من الغرب إلى الشرق . الشرق بقيادة الصين ..فما هو رأيك ” ..
أجبتها باختصار : إن العالم أكبر يكثير من أن تحكمه وتتحكم بمصيره دولة واحدة
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)